Uncategorized

السودان في زمن الحرب: معاناة الجوع، الفساد، والاعتقالات في ظل الأزمة الإنسانية

بورتسودان متابعات كوشى نيوز

تحقيق: فدوى خزرجي

مشرف تكية العبسنجية: والي ولاية الخرطوم قد زار التكية مؤخراً ووعد بتسهيل بعض التحديات التي تواجهها.

نقص حاد في الأدوية المنقذة للحياة. وتغليص للوجبات
عضو غرفة طوارئ : بعض العسكريين يمارسون احتكار السلع الأساسية، وبيعها عبر أفراد من الجنود.

نطالب القائد العام للقوات المسلحة بتكوين لجنة المسابقات لكشف من تورط في بيع المساعدات الإنسانية ومحاسبتهم.

* اللجنة التنظيمية لغرف طوارئ 15 أبريل: عمليات حجب المساعدات الإنسانية بإغلاق الطرق، ومنع التصاريح، ونهب المواد من الأسباب التي تعرقل وصول المساعدات إلى مستحقيها.

في قلب الحرب المدمرة التي تعصف بالسودان، يعيش المواطنون مأساة إنسانية لا يمكن تصورها. تتفاقم الأزمة مع تزايد أعداد الجوعى والمصابين بالأوبئة، فيما يواصل الفساد تعميق جراح الشعب السوداني. تقارير جديدة من غرف الطوارئ تكشف عن معاناة يومية لا تنتهي، مع ارتفاع الأسعار وندرة المواد الغذائية والأدوية المنقذة للحياة، بينما تتعرض جهود الإغاثة للعرقلة بسبب الاحتكار والفساد المستشري. وعليه، فإن العديد من الأسر التي تعيش في مناطق النزاع تواجه خطر الموت جوعاً، فيما يعجز الجميع عن تأمين الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية. ورغم المناشدات الدولية والمحلية، لا تزال المساعدات الإنسانية تتعثر، ويستمر المدنيون في دفع ثمن حرب لا تنتهي. هذا التحقيق الاستقصائي يسلط الضوء على حجم المأساة التي يعيشها الشعب السوداني وسط صمت العالم تجاه معاناتهم.

ظروف قاسية
في إفادة مؤلمة عن الوضع الإنساني في السودان، كشف عضو غرفة طوارئ 15 أبريل، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، عن الوضع الإنساني المأساوي في السودان، مشيراً إلى المعاناة المستمرة التي يعاني منها السكان في المناطق المتضررة من الحرب. وقال إن العديد من المناطق، خصوصاً سنجة، شهدت حصاراً خانقاً استمر لأربعة أشهر، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل حاد. وأضاف: “لولا المنتجات المحلية التي توفرها الأرض، لكان الناس قد ماتوا جوعًا في الخريف. وصل سعر كيلو السكر إلى 20 ألف جنيه، وسعر الرغيف إلى 200 جنيه، وكان الرغيف صغيرًا جدًا في الخريف لدرجة أنك تشعر وكأنك لم تأكل شيئًا”.

وأشار إلى تحسن نسبي في الأوضاع مع توافر بعض المخابز التي تقدم سبعة أرغفة مقابل 1000 جنيه، مع تحسن حجم الرغيف مقارنة بما كان عليه سابقاً. ورغم ذلك، أبدى استياءه من الفساد المستشري في جهاز الدولة، مؤكدًا أن بعض المسؤولين كانوا يتاجرون بالسلع الأساسية على حساب المواطن. وأضاف: “الأدوية كانت منعدمة في الصيدليات، وكانت هناك محاولات طارئة لنقل الأدوية عبر الطيران من بورتسودان، ولكن رغم فتح الطرق، لم يتحقق الاستقرار بعد، وهذا يعود إلى فساد شامل في الجهاز الحكومي”.

وواصل حديثه عن غلاء الأسعار، حيث وصل سعر جوال البصل في الخريف إلى 900 ألف جنيه، وبلغت أسعار الزيت والسمسم والفول مستويات غير مسبوقة. ورغم تراجع بعض الأسعار، أشار إلى أن قلة السيولة المالية لدى المواطنين ما زالت تشكل عقبة كبيرة في تلبية احتياجاتهم الأساسية.

وفيما يخص مناطق أخرى مثل الدلنج وجنوب كردفان، أوضح أن المساعدات الإنسانية لا تصل إلى مستحقيها، خاصة في كادقلي، حيث تم منع توزيع الإغاثة من قبل بعض ضباط الجيش بسبب خلافات داخلية تتعلق بالمساعدات. كما أشار إلى أن بعض العسكريين كانوا يمارسون احتكار السلع الأساسية، مثل بيع السكر عبر أفراد من الجنود، في وقت كانت قوات الدعم السريع تحاصر الأبيض وتمنع وصول المنتجات الزراعية.

وطالب القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، بتكوين لجنة تحقيق لتحديد المسؤولين عن بيع المساعدات الإنسانية ومعاقبتهم، مؤكدًا ضرورة تشكيل فرقة مشرفة على توزيع المساعدات لضمان وصولها إلى مستحقيها..

صعوبة الظروف
في ظل الأوضاع الصعبة التي يشهدها البلد نتيجة الحرب المستمرة، من ارتفاع الأسعار وصعوبة الحصول على الوقود، تواصل تكية العبسنجية تقديم خدماتها الإنسانية الأساسية رغم التحديات الكبرى التي تواجهها. وفي تصريح خاص للمحامية إيمان حسن عبد الرحيم، المشرفة على التكية لموقع (كوشي) ، أكدت أن المؤسسة ما زالت تقوم بدورها في تغطية العديد من الأحياء بالعاصمة، مثل العباسية وأبو كدوك والهاشماب والموردة والعرضة، حيث توفر يوميًا وجبتي فطور وغداء للأسر المتعففة، بالإضافة إلى إرسال المواد التموينية للمحتاجين المتضررين من آثار الحرب.

وأضافت المحامية إيمان أن تكية العبسنجية قد أطلقت عددًا من المبادرات المجتمعية الهامة مثل توزيع فطور عيد رمضان وتنظيف الأحياء، إلى جانب جهود إصلاح خدمات الكهرباء والمياه في المناطق المتأثرة. ومع ذلك، فإن التكية تواجه ضغطًا متزايدًا، حيث تخدم حاليًا حوالي 420 أسرة، مما يضع عبئًا إضافيًا على الموارد المحدودة، لا سيما في ظل تدفق أعداد كبيرة من الأسر النازحة نتيجة للأوضاع الراهنة، مما أدى إلى تقليص عدد الوجبات. ورغم الظروف الصعبة، أكدت إيمان أن والي ولاية الخرطوم قد زار التكية مؤخرًا وأبدى دعماً عينياً، بالإضافة إلى وعده بتسهيل بعض التحديات التي تواجهها.

وفيما يتعلق بالعيادة التابعة للتكية، أشارت المحامية إيمان إلى أن العيادة تقدم خدماتها رغم النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية. ورغم ذلك، فإن العيادة لا تزال تقدم الرعاية للأمهات والرضع، إضافة إلى خدمات الختان للأطفال. كما تم إجراء أكثر من 47 حالة ولادة ناجحة، في حين أكدت إيمان وجود نقص حاد في الأدوية المنقذة للحياة مثل الأنسولين وأدوية مرضى السكري وضغط الدم، مطالبة المنظمات المحلية والدولية بتقديم الدعم لضمان استمرارية العمل.

تقليص في عدد الوجبات:
في جانب آخر، كشف عبد المنعم القاش، عضو اللجنة التنظيمية لغرف طوارئ 15 أبريل، عن تعرض عدد كبير من أعضاء لجان المقاومة والعاملين في خدمات الطوارئ من المواطنين الذين كانوا يتصدون لتداعيات الحرب عبر تقديم الغذاء والدواء والماء والخدمات الأساسية للمجتمعات المتضررة للاعتقالات والمحاكمات الملفقة من طرفي النزاع. وشدد على ضرورة أن يتوقف الطرفان المتحاربان عن استهداف الأبرياء، وأكد أن هذه الانتهاكات لا تقتصر على طرف واحد في النزاع، بل تمارسها جميع الأطراف.

وأشار إلى أن العديد من المعتقلين قسريًا تعرضوا للتعذيب والتصفية بلا محاكمات، مطالبًا المجتمعين المحلي والدولي بفتح تحقيقات عاجلة للكشف عن من يقف وراء تلك العمليات وضمان حماية المعتقلين قانونيًا. كما ذكر أن مدناً عدة شهدت عمليات اعتقال قسري طالت العديد من المواطنين، مثل عطبرة، القضارف، الدمازين، بورتسودان، الخرطوم، مدني، سنار، الفاشر، الأبيض، نيالا، كسلا، الجنينة، كوستي، سنجة وغيرها، بتهم التعاون مع العدو حسب مزاعم الأطراف المشاركة في القتال.

وتابع القاش بالحديث عن الوضع الإنساني في السودان قائلاً في تصريح لـ”كوشي*: “إن مع بداية ظهور المجاعة ونقص الغذاء الحاد في ولاية الخرطوم، تم إنشاء 459 مطبخًا لخدمة أكثر من مليون شخص يوميًا.” وأكد أن تشغيل هذه المطابخ يتطلب تمويلاً شهريًا قدره حوالي 1.2 مليون دولار، يتم تأمين معظمه من تبرعات المغتربين وبعض المحسنين المحليين. لكنه أشار إلى أن بعض المناطق شهدت تقليصًا في عدد الوجبات بسبب نقص التمويل وارتفاع أسعار المواد الغذائية.

وأكد أن المتطوعين ولجان الطوارئ ما زالوا يديرون هذه المطابخ رغم الظروف الصعبة. وفيما يخص شمال دارفور، ذكر القاش أن معسكرات النازحين، وخاصة في مخيم زمزم، شهدت مجاعة في أغسطس الماضي نتيجة توقف المطابخ بسبب القيود المفروضة على إيصال المساعدات.

وأضاف أن عمليات حجب المساعدات الإنسانية بإغلاق الطرق، ومنع التصاريح، ونهب المواد هي من بين الأسباب التي تعرقل وصول المساعدات إلى مستحقيها، مطالبًا بفتح تحقيق من قبل الأمم المتحدة في مقتل العديد من موظفي الإغاثة واختطاف وتهديد العاملين في تقديم الخدمات الأساسية من طعام ودواء.

وأكد القاش أن الشعب السوداني يواجه كارثة إنسانية مروعة تهدد حياته جوعًا ومرضًا قبل أن تكون حربًا، مطالبًا المجتمع الدولي بالضغط لوقف إطلاق النار فورًا وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق. وأضاف أن الجوع أصبح سلاحًا يستخدمه طرفا النزاع ضد المدنيين العالقين في مناطقهم، وهو أمر واضح جلي تسبب في وفيات كثيرة ومعاناة شديدة لملايين السودانيين، خصوصًا في مناطق النزاع. وطالب كافة الجهات المحلية والدولية بالكشف عن العدد الحقيقي للأرواح التي أزهقتها هذه الحرب وكوارثها، مشيرًا إلى تقارير تحدثت عن تخزين المساعدات الإنسانية في بورتسودان وكوستي وعدم وصولها إلى مستحقيها. وأكد أن أكثر من 30 مليون شخص يعانون من الجوع الشديد ويحتاجون إلى مساعدات عاجلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى