نبض المجتمع
طه هارون حامد … يكتب
عيد العمال: رمز الكفاح وتقدير العطاء
يُعد عيد العمال من المناسبات العالمية ذات البُعد الإنساني والاجتماعي والاقتصادي العميق، إذ يُحتفل به سنويًا في الأول من مايو، ويُعرف عالميًا بـ”اليوم العالمي للعمال”. يُخصص هذا اليوم لتكريم الطبقة العاملة، وتقدير مساهماتهم في التنمية والنهضة الاقتصادية والاجتماعية في مختلف دول العالم. لكن وراء هذا اليوم تاريخ حافل بالنضال والتضحيات، التي خاضها العمال عبر العصور من أجل نيل حقوقهم المشروعة.
أصل عيد العمال وتاريخه
تعود جذور عيد العمال إلى أواخر القرن التاسع عشر، وتحديدًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ففي عام 1886، اندلعت حركة احتجاجية كبيرة في مدينة شيكاغو، حيث خرج آلاف العمال مطالبين بتحديد ساعات العمل اليومية بثماني ساعات بدلًا من 12 أو 14 ساعة، وهو ما كان شائعًا آنذاك في المصانع والمناجم. هذه الحركة التي عُرفت بـ”إضرابات هايماركت” قوبلت بقمع عنيف من الشرطة، وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، وأُعدم عدد من قادة الحركة العمالية بتهم ملفقة.
أثارت هذه الأحداث موجة من الغضب والتعاطف العالمي، وتحولت ذكرى تلك المظاهرات إلى رمز عالمي لنضال العمال. وفي عام 1889، أعلن مؤتمر الأممية الثانية في باريس اعتماد الأول من مايو عيدًا عالميًا للعمال، تخليدًا لذكرى احتجاجات شيكاغو، وللدعوة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وظروف عمل إنسانية.
أهمية عيد العمال في العصر الحديث
لم يعد عيد العمال مجرد ذكرى تاريخية لنضال العمال، بل أصبح يومًا عالميًا للتفكير في قضايا العمل والعمال. في هذا اليوم، يُسلَّط الضوء على قضايا مثل: البطالة، وعلي قلتها لا تكفي الي ربع الاحتياجات في ظل الاقتصادي المتدهور وارتفاع احتياجات الاسرة اليومية والأجور المنصفة، وساعات العمل، والحماية الاجتماعية، وظروف بيئة العمل، والمساواة بين الجنسين في فرص العمل، وغيرها من القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان في بيئة العمل.
وفي عصر العولمة والتحول الرقمي، ازدادت تحديات العمالووقلت فرص اسيعابهم ، إذ أصبحت المنافسة أكثر شراسة، وتوسعت العمالة المؤقتة، وظهرت أشكال جديدة من العمل مثل العمل عن بعد والعمل الحر. هذه التحولات تستدعي مقاربة جديدة في سياسات العمل تراعي التوازن بين مرونة العمل وضمان حقوق العمال.
دور عيد العمال في الوطن العربي
في العالم العربي، يُحتفل بعيد العمال في معظم الدول، حيث تُنظم فعاليات رسمية وشعبية، تُكرَّم فيها الكفاءات، وتُمنح الجوائز التقديرية للعاملين المتميزين في مختلف القطاعات، من الزراعة والصناعة إلى التعليم والصحة والرعاية الصحية الاساسية والخدمات، لا تزال العديد من البلدان العربية تواجه تحديات في مجال حقوق العمال، مثل تدني الأجور، وعدم كفاية أنظمة الحماية الاجتماعية، وضعف النقابات العمالية في بعض الدول. لذلك يُعد عيد العمال فرصة لتجديد الدعوة إلى إصلاح السياسات العمالية، وتمكين النقابات، وتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية المستمرة
العمل قيمة إنسانية وحضارية
العمل ليس مجرد وسيلة للكسب، بل هو تعبير عن الذات، وتحقيق للكرامة الإنسانية. وهو في كل الحضارات، وفي جميع الأديان، يُعد مصدرًا للشرف والعزة. ففي الإسلام، وردت آيات وأحاديث عديدة تحث على العمل، وتربط بين العمل الصالح والعبادة، منها قوله تعالى: “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون” [التوبة: 105].، لذلك نجد ان عيد العمال يجب ألا يقتصر على الاحتفال، بل يجب أن يكون مناسبة لإعادة تقييم السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز دور العمال في اتخاذ القرار، وتحقيق التوازن بين مصلحة أصحاب العمل وحقوق العاملين.
نظرة مستقبلية
إن تكريم العمال لا يجب أن يكون محصورًا بيوم واحد في السنة، بل ينبغي أن يكون ثقافة عامة، وسياسة مستدامة في كل القطاعات. ويجب أن تُبذل الجهود لتحسين أنظمة التأمينات الاجتماعية، وتوفير التدريب المستمر للعمال لمواكبة التغيرات التكنولوجية، وضمان بيئة عمل آمنة ومحفزة.
كما ينبغي على الحكومات والمؤسسات التعليمية أن تزرع في النشء حب العمل، وتقدير الجهد، واحترام كل المهن، بعيدًا عن التمييز الطبقي أو الاجتماعي.
اخيرا..
إن عيد العمال هو أكثر من مجرد مناسبة احتفالية، فهو يوم للوفاء لمن يبنون الأوطان بعرقهم وجهدهم، وهو نداء عالمي لتكريس مبادئ العدالة، والمساواة، والكرامة الإنسانية. فالعامل، في أي مكان وزمان، هو أساس الإنتاج، وركيزة البناء، ولا يمكن لأي أمة أن تتقدم دون أن تُقدّر جهود عمالها وتحترم حقوقهم.