نبض المجتمع
طه هارون حامد … يكتب
الخريف على الأبواب
فصول الألم بين النزوح والجوع والمرض والتلوث البيئي
مع اقتراب فصل الخريف، تُطوى صفحات الصيف الحارقة لتُفتح صفحات جديدة قد تحمل في طياتها بعض الأمل، ولكنها أيضاً تكشف عن أزمات إنسانية وبيئيةوصحية تتفاقم عاماً بعد عام. ففي الوقت الذي يترقب فيه البعض جمال أوراق الخريف المتساقطة، يرزح آخرون تحت وطأة اللجوء، النزوح، الأمراض، الجوع، والتلوث البيئي، وكأنّ الطبيعة تُبدل ألوانها لتُعبر عن تبدّل أحوال الناس لا عن جمال الفصول
الخريف… ليس مجرد فصل
في المجتمعات المستقرة، يعتبر الخريف مرحلة انتقالية تُنذر ببداية البرد وتجدد الحياة في شكل آخر. لكن في مناطق النزاع والمجتمعات الهشة، يصبح الخريف إعلاناً عن بداية معاناة جديدة. ففي الخيام المؤقتة للاجئين والنازحين، يُعد كل انخفاض في درجات الحرارة اختباراً قاسياً لتحمل الحياة وسط هشاشة المأوى وغياب الموارد الأساسية(وتوفير الماكل والمشرب واحتياجات اخري )
النزوح واللجوء… معاناة مستمرة بلا نهاية واضحة
بحسب إحصائيات المنظمات الدولية، تجاوز عدد اللاجئين والنازحين داخلياً حول العالم الـ100 مليون شخص، وهو رقم لم تشهده البشرية من قبل. معظم هؤلاء يعيشون في مخيمات مؤقتة تفتقر إلى البنية التحتية والخدمات الصحية، مما يجعلهم عرضة للأمراض وخاصة في الفصول الانتقالية. الخريف هنا ليس موسماً رومانسياً بل بداية البرد والمرض والحاجة الماسة للبطانيات والدواء والغذاء.
الأزمات السياسية والحروب والصراعات الأهلية ما زالت تدفع بملايين الناس للهروب من أوطانهم، باحثين عن الأمان والكرامة. ومع غياب حلول سياسية عادلة، تستمر معاناة هؤلاء في دوامة النزوح غير المنتهية.
الأمراض… الحليف غير المرئي للنزاعات والفقر
يترافق فصل الخريف عادة مع تزايد في حالات العدوى التنفسية، نزلات البرد، وأمراض الجهاز التنفسي، (امراض الجوع والملاريا وغيرها)خصوصاً في الأماكن المكتظة وغير الصحية مثل مخيمات النزوح. ومع غياب الرعاية الصحية الولية والارشاد الطبي والنفسي ، تتحول هذه الأمراض البسيطة إلى أوبئة تحصد الأرواح، خصوصاً بين الأطفال وكبار السن.
كما أن ضعف المناعة الناتج عن سوء التغذية، وغياب النظافة، وانتشار الحشرات والقمامة، يعمّق من خطورة الوضع الصحي. الخريف هنا هو فصل تفشي الأمراض لا فصل سقوط الأوراق فقط.
الجوع… فقر المعدة وفقر الكرامة
تُظهر تقارير برنامج الغذاء العالمي أن مئات الملايين حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ويزداد هذا الرقم بشكل ملحوظ في فترات الأزمات والتغيرات المناخية. في فصل الخريف، تقل بعض المحاصيل الزراعية في كثير من البلدان، وتزداد الحاجة إلى تخزين الغذاء استعداداً للشتاء، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، خاصة في المجتمعات الفقيرة.
وفي مناطق النزوح، تكون المساعدات الغذائية غير كافية أو متقطعة. الجوع هنا ليس فقط غياب الطعام، بل هو كسرٌ لكرامة الإنسان، وتحويله إلى كائن ينتظر الإعانة ليعيش يوماً آخر.
التلوث البيئي… الوجه الصامت للأزمة
تزداد مظاهر التلوث البيئي في فصل الخريف بفعل حرق المخلفات الزراعية، واستخدام الحطب والفحم للتدفئة في المناطق الفقيرة، مما يؤدي إلى ارتفاع نسب تلوث الهواء. وتعتبر المدن المكتظة ومخيمات اللاجئين من أكثر الأماكن تضرراً، حيث يختلط التلوث بعوامل أخرى مثل النفايات المكشوفة، والمياه الراكدة(حيث يتوالد البعوض والحشرات الاخري )، وانعدام البنية التحتية الصحية.
التلوث هنا ليس فقط مسألة بيئية، بل قضية صحية واجتماعية، تزيد من خطر الأمراض التنفسية وتؤثر على جودة الحياة وتُهدد التوازن البيئي.
أين المفر؟
الخريف على الأبواب، ومعه تدخل المجتمعات الهشة في دائرة جديدة من التحديات المتعددة: نزوحٌ يطول، أمراضٌ تفتك، جوعٌ يستفحل، وتلوثٌ يتزايد. وكل ذلك يحدث وسط عالمٍ يبدو فيه أن الكوارث تتراكم أسرع من حلولها. من هنا، يصبح دور المنظمات الإنسانية، والمؤسسات الدولية، والحكومات، أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
لابد من تبني حلول شاملة ومستدامة، تعالج جذور الأزمات لا أعراضها فقط، وتُعيد للإنسان كرامته، وتُصالحه مع الطبيعة التي باتت تختنق بفعل فوضى البشر.
نواصل