فرحة على البعد.. تهنئة ممزوجة بالحسرة من مدن اللجؤ القسري
سنية اشقر… تكتب
اليوم، تُعلن نتيجة الشهادة السودانية بعد أكثر من عامين من الحرب، وانا أقف على ضفة الوجع يغمرني الحزن رغم عظمة الفرحة بهذا الانجاز ، أرقب لحظة طالما انتظرتها مع طالباتي وطلابي الذين صاروا لي كالأبناء لم ابخل عليهم بمعلومه ولا حتي باب امل ليطرقوه. لحظة الحصاد، لحظة الاعتراف بالصمود وسط ركام الخوف والدمار والقتل والنزوح واللجؤ في سكة الحيرة والضعف، لحظة الانتصار على الانكسار. لكنها لحظة أعيشها من بعيد، في منفى قسري فرضته حرب لا ترحم، أبعدتني عن فصلي وكتبي وابتسامات تلاميذي، السبورة والطباشير وقلم التصحيح، وأخذت مني حتى الحق في مشاركة الفرح.
أهنئكم، أيها الأقوياء الانقياء، من أعماق قلبي. أهنئكم وأنتم تُنهون امتحانًا من نوع آخر، لم يكن فقط ورقة وقلم، بل امتحان في الصبر،الثبات،الأمل، البقاء والإرادة. اجتزتموه وأنتم في معسكرات النزوح، ومدن اللجوء، وأزقة الفقد. لم تُثنكم أصوات الرصاص،الدانات،المسيرات ولا انقطاع الكهرباء، ولا الجوع،العدم ولا الشتات. كتبتم إجاباتكم على طاولات من خشب مكسور، تحت ضوء الشموع أو في العراء، لكن عقولكم كانت مضيئة كقلوبكم وكان العزم واليقين يملا قلوبكم بالاصرار علي النجاح.
طالباتي وطلابي،أهنئكم، وأنحني أمام صمودكم، ولكني لا أستطيع أن أفرح كما يليق بهذا النصر العظيم. كيف أفرح وهناك من حُرم حتى من حق الجلوس للامتحان؟ كيف أبتسم ووجوه طالباتى وطلابي في مناطق سيطرة الدعم السريع لم يستطيعوا عبور الحواجز نحو ولايات الحكومة بسبب “قانون الوجوه الغريبة”؟ هذا القانون الذي جعل من أبناء الوطن غرباء في وطنهم، وسد أمامهم أبواب الأمل في لحظة مصيرية من أعمارهم ومستقبلهم. قلبي معهم، مع أولئك الذين كانوا يستحقون الجلوس إلى الامتحان كما جلستم، لكن الحرب قطعت الطريق، وصمت العالم عن معاناتهم جعل الجراح أعمق.
وإني اليوم، وأنا أعايش مرارة الغربة واللجوء القسري، لا أنسى كذلك المعلمين والمعلمات الذين تشردوا وقُتلوا وانتهكت كرامتهم، فقط لأنهم حملوا رسالة التعليم. لا أنسى زملائي وزميلاتي الذين كانوا يجمعون الطلاب في زوايا المساجد ومخيمات النزوح ليزرعوا فيهم الأمل لغد اجمل،تنعم به بلادنا بالسلام والتعايش السلمي والامان كانوا بلسمآ يداوي كل امراض الحرب وخطاب الكراهية عملوا علي ذلك ما استطاعوا اليه سبيلا لياتي مثل هذا اليوم شكرا لكم.
بناتي وأبنائي الطلاب، رغم كل شيء، أنا فخورة بكم. فخورة لأنكم أثبتم أن التعليم مقاومة،قاومتم كل ما حدث فى زمن الحرب، واثبتم لنا جميعا أن العزيمة والإرادة لا تنكسر حتى تحت القصف والقتل المجاني. أتمنى لكم التوفيق، وأحلم بلقاء يجمعني بكم في ساحات جامعات الوطن، في وطن حر، يسوده السلام والعدالة. وطن لا يُحرم فيه طالب من التعليم، ولا يُهان فيه معلم، وطن يليق بأحلامكم الكبيرة.
حتى ذلك الحين، دعوا فرحتكم تعانق السماء، واذكروني بدعوة صادقة في لحظة نجاح. أنتم الأمل، وأنتم الغد.
اترككم في امان الله وحفظة.
سنية اشقر
اول / مايو/٢٠٢٥م