عين على الحقيقة
الجميل الفاضل … يكتب
حكومة السودان العلماني الجديد،
ملامح وسمات؟! (2)
ها هي الحرب لا زالت تجرجر أذيالها وأقدام الناس معها، لتلج بهم رغم أنوفهم وما تهفوا له نفوسهم، بوابة عامها الثالث التي لا يعرف أحد الي اليوم ماذا وراءها بالضبط.
وهي الحقيقة التي أكدها الفريق أول محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع في خطاب له بمناسبة الذكري الثانية للحرب، قائلا: “بعد عامين من الحرب، يقف السودان عند مفترق طرق، فإما أن نسمح للماضي أن يجرنا إلى الوراء، أو نشق طريقا جديدا للأمام”.
فالحرب للحقيقة ليست سباق ماراثون، واضح للعيان خط بدايته وخط نهايته، الذي يتهيأ عنده المتسابقون للتلويح بأيديهم، ثم لتنفس الصعداء.
علي أية حال، يبدو أن هذه الحرب التي أكملت أمس عامها الثاني، لا زالت هي حبلي كذلك بكثير من المفاجآت، ليس أقلها ميلاد حكومتين أو قل نظامين في دولة واحدة من حيث الشكل علي قرار النموذج الليبي، أو حتي بخلاف ذلك الشكل والنموذج؟.
إذ يقول الدكتور الهادي إدريس عضو مجلس السيادة السابق، ورئيس حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي، ورئيس الجبهه الثورية لقناة “الجزيرة مباشر”: “يجري الآن الترتيب لإعلان هذه الحكومة المرتقبة داخل السودان بما في ذلك إجراءات الحماية الأرضية لها، وترتيبات التغطية الجوية المطلوبة لسماواتها، بل يقول إدريس: ان وفد مقدمة هذه الحكومة قد وصل بالفعل الى مكان ما داخل البلاد توطئة لإعلانها رسميا كأمر واقع جديد”.
بيد أن الهادي لم يقف عند هذا الحد لكنه أكد بالقول أيضا: “بعد تشكيل الحكومة سنعمل على تغطية جوية كاملة لكل السودان وليس دارفور فقط كما يظن البعض”.
في حين بثت قناة “الحدث” أول أمس، حوارية ساخنة أطلقت خلالها الإعلامية المصرية ضحي الزهيري وابلا من الأسئلة المفخخة بوجه القائد عبدالعزيز آدم الحلو رئيس الحركة الشعبية شمال، من نوع: أعلنتم عن حكومة موازية، ما هي تفاصيل هذه الحكومة؟، أين ستعمل؟ أنتم خرجتم من كثير من مناطق سيطرتكم، من سيقود هذه الحكومة؟، من سيمول هذه الحكومة؟، كيف ستعمل؟ ومن أي المناطق ستعمل هذه الحكومة، وهكذا؟.
ليوجز القائد عبدالعزيز الحلو، أحد أبرز رموز تحالف “تأسيس” تعريفه للحكومة المرتقبة في عبارة قصيرة رغم أن حركته تحظي بثلث مقاعدها وفق الاتفاق، قائلا: “أنها ستكون حكومة خدمية، وليس حكومة تسلطية”.
وأردف بأنها ستأتي حكومة مدنية حديثة الطابع، تقوم علي مؤسسات تنشأ علي اختلاف الاختصاصات.
عموما في تصوري، أن من أولي أولويات هذه الحكومة سيكون العمل علي ترجمة البنود والتوجهات الرئيسة لميثاق السودان التأسيسي، في الطريق لإيجاد معالجات عملية تخاطب جذور الأزمة التاريخية التي أقعدت البلاد عن ركب تطور الأمم، من خلال الإلتزام الصارم بجوهر المباديء فوق الدستورية التي أقرها بنيروبي مؤخرا “تحالف السودان التأسيسي”، والتي تقوم علي مبدأ فصل الدين عن الدولة، عبر نظام علماني يكرس وضعية حياد الدولة إزاء كافة الأديان والمعتقدات والمذاهب، إضافة للعمل علي كسر إحتكار وهيمنة أية ثقافة كانت، علي اخري، مع مناهضة جادة وحازمة لكل مظاهر وتجليات خطاب الكراهية البغيض، وللروح العنصرية السائدة الآن بين الناس الي حد بعيد، وللتمييز العرقي المتغلغل حاليا في شعاب الدولة بكل أنماطه وأشكاله، وذلك بترسيخ معيار المواطنة المتساوية بلا أدني تمييز، كمعيار وحيد لنيل الحقوق وكذا للقيام بالواجبات.
وكان الحلو قد أكد كذلك في ذات المقابلة المهمة: “أن وثيقة تاسيس، وثيقة هامة في تاريخ السودان، لأنها تمثل إطار عام أو مشروع لعقد إجتماعي جديد، تم إعتماده لكي يكون مرجعية ومصدر لأي قرارات سياسية، أو تشريعات وقوانيين في السودان الجديد.
إذ لابد هنا من تشاؤم العقل مع تفاؤل الارادة، ولذا ربما اني أري، أن مرجعية ومصدرية هذه الوثيقة هو ما سيضع هذه الحكومة أمام تحدي كبير للغاية، في ظل تعقيدات صراعات الواقع السوداني، المفتوح الي الآن علي كافة الاحتمالات التي من بينها احتمال الانقسام الثاني للبلاد، أو حتي احتمال تمزقها الي اشلاء وكانتونات صغيرة تهيء للطامعين قضم ترابها أو لإبتلاع اجزاء منه علي الأقل.
وبالطبع رغم صحة قول: أن للمنازل في القلوب منازل، فإن الحروب عندما تستبد بالناس أحوالها، تحتل هي في الحقيقة عقولهم قبل أن تحتل منازلهم، وتخرب نفوسهم قبل أن تخرب بيوتهم وأعيانها.
المهم فقد قدمت مقابلة “الحدث”، عبدالعزيز الحلو كقائد تاريخي في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ البلاد، من خلال ردوده الواثقة والشجاعة، وإيمانه القوي بإمكانية النجاح في بناء سودان جديد، يتجاوز كافة الازمات والعقبات والعراقيل التي قادت البلاد الي حالة ما يشبه ذوبان الدولة التام.
وبدا لي كأن حلم “السودان الجديد” الذي لم يعشه عرابه الدكتور جون قرنق كحقيقة، ربما يري هو النور علي أرض الواقع، بإرادة وعزم وتماسك قادة تحالف “تأسيس” وعلي رأسهم بالطبع القائد المقرب للراحل قرنق، عبدالعزيز الحلو.