أعمدة الرأي

شئ للوطن

صلاح غريبة
م.صلاح غريبة … يكتب
المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة: قاطرة التعافي وإعادة الإعمار

يوافق السابع والعشرون من يونيو من كل عام يوم المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة (MSMEs)، وهو يوم عالمي للاحتفال بالدور المحوري لهذه المؤسسات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. في سياق بلد يخرج من صراعات مدمرة مثل السودان، يكتسب هذا اليوم أهمية مضاعفة، حيث تمثل هذه المؤسسات شريان الحياة لإعادة الإعمار والتعافي، ومفتاحًا لمستقبل مزدهر.
لا يمكن المبالغة في تقدير دور المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في عملية إعادة إعمار السودان بعد سنوات الحرب. فبينما تتجه الأنظار غالبًا نحو المشاريع الكبرى والتمويل الدولي، تعمل هذه المؤسسات بصمت وكفاءة على المستويين المحلي والمجتمعي، لترميم ما خلفته الصراعات.
تُعد هذه المؤسسات المصدر الأكبر لفرص العمل في أي اقتصاد، وفي السودان، حيث يعاني الكثيرون من البطالة خاصة بين الشباب والنساء، توفر MSMEs سبل عيش كريمة وتساهم في استقرار المجتمعات. إنها تمكن الأفراد من إعادة بناء حياتهم والمساهمة في الاقتصاد المحلي، وتنشيط الاقتصادات المحلية، فتعمل MSMEs على تدوير رأس المال داخل المجتمعات، مما يعزز التجارة المحلية ويدعم سلاسل التوريد الصغيرة. من المخابز المحلية إلى ورش الحرف اليدوية، تعيد هذه المؤسسات الحياة إلى الأسواق وتوفر السلع والخدمات الأساسية، وتتميز المؤسسات الصغيرة بمرونة وقدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة، وهو أمر بالغ الأهمية في بيئة ما بعد الصراع. يمكنها الاستجابة بسرعة للاحتياجات المحلية وتطوير حلول مبتكرة للمشكلات التي تواجه المجتمعات المتضررة.
تلعب هذه المؤسسات دورًا حيويًا في إعادة دمج المتضررين واللاجئين والنازحين والعائدين والمسرح من الخدمة العسكرية والمستنفرين في الحياة الاقتصادية، من خلال توفير التدريب وفرص العمل، مما يقلل من التوترات الاجتماعية ويساهم في تحقيق السلام المستدام، بالاضافة الى بناء القدرات المحلية، وتساهم MSMEs في بناء المهارات والخبرات داخل المجتمعات، مما يعزز الاعتماد على الذات ويقلل الاعتماد على المساعدات الخارجية على المدى الطويل.
لتمكين المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة من أداء دورها الفعال في إعادة الإعمار، يصبح التدريب التحويلي ضرورة لا غنى عنها. لا يقتصر هذا النوع من التدريب على اكتساب مهارات جديدة فحسب، بل يهدف إلى تغيير طريقة التفكير والسلوك، وتطوير عقلية ريادية قادرة على مواجهة التحديات واغتنام الفرص. يشمل التدريب التحويلي جوانب مثل ريادة الأعمال والإدارة الحديثة وتعليم أصحاب المشاريع كيفية إدارة أعمالهم بفعالية، بما في ذلك التخطيط المالي، التسويق، وإدارة الموارد البشرية.
في عالم اليوم، أصبح التحول الرقمي أمرًا حتميًا. تدريب أصحاب المشاريع على استخدام التكنولوجيا والمهارات والرقمية يمكن أن يفتح لهم أسواقًا جديدة ويزيد من كفاءته، ومساعدة MSMEs على فهم متطلبات الحصول على التمويل، وكيفية إعداد خطط عمل جذابة الداعمين والمستثمرين. وتشجيع التفكير الإبداعي لتطوير منتجات وخدمات جديدة تلبي احتياجات السوق المتغيرة بالابتكار والتطوير وتدريب أصحاب الأعمال على كيفية التعامل مع الأزمات والتحديات والمرونة وبناء القدرة على الصمود، ووضع خطط للطوارئ لضمان استمرارية أعمالهم، وإن الاستثمار في التدريب التحويلي هو استثمار في مستقبل هذه المؤسسات، وبالتالي في مستقبل السودان.
بينما تُعد المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة هي القاعدة الأساسية لإعادة الإعمار، فإن قطاع رجال الأعمال الأكبر حجمًا له دور حيوي ومكمل لا يمكن إغفاله. يمكن لرجال الأعمال المساهمة بطرق متعددة، فيمكن لرجال الأعمال الأثرياء أو الشركات الكبرى بالاستثمار المباشر في مشاريع البنية التحتية، أو في الشركات الصغيرة الواعدة، مما يوفر رؤوس أموال ضرورية لنمو هذه المؤسسات.
يمكن لرجال الأعمال ذوي الخبرة تقديم التوجيه والإرشاد Mentorship لأصحاب المشاريع الصغيرة، ومشاركتهم خبراتهم العملية، وتقديم المشورة حول كيفية تجاوز التحديات، ويمكن للشركات الكبرى أن تعمل كشركاء أو عملاء للمؤسسات الصغيرة، مما يوسع نطاق أعمالها ويوفر لها فرصًا جديدة للنمو وتسهيل الوصول إلى الأسواق.
يمكن لقطاع الأعمال المساهمة في إعادة الإعمار من خلال برامج المسؤولية المجتمعية CSR، مثل تمويل برامج التدريب، أو دعم المشاريع المجتمعية، أو توفير الدعم الفني، واستخدام نفوذهم للدفاع عن سياسات حكومية تدعم نمو وتطور المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، مثل تسهيل الإجراءات التنظيمية، أو توفير الحوافز الضريبية، وتشجيع الشراكات بين المؤسسات الكبيرة والصغيرة لخلق تآزر يعود بالنفع على الجميع.
في الختام، يمثل يوم المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة فرصة لتسليط الضوء على هذه الشواهد الحيوية للنشاط الاقتصادي. في السودان، هي أكثر من مجرد محركات اقتصادية؛ إنها عوامل رئيسية للسلام والاستقرار والتعافي. بدعم كافٍ، وتدريب تحويلي فعال، ومشاركة نشطة من قطاع الأعمال، يمكن لهذه المؤسسات أن تقود الطريق نحو سودان مزدهر ومستقر.
Ghariba2013@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى