أعمدة الرأي

شئ للوطن

صلاح غريبة
م.صلاح غريبة … يكتب
تعزيز حضور المرأة السودانية في الدبلوماسية العالمية

في الرابع والعشرين من يونيو من كل عام، يحتفل العالم باليوم الدولي للمرأة في العمل الدبلوماسي، وهو يوم يضيء على الدور المحوري الذي تضطلع به المرأة في رسم ملامح السياسة الخارجية وبناء جسور التواصل بين الأمم. هذا اليوم ليس مجرد احتفال رمزي، بل هو تذكير بضرورة إزالة الحواجز الهيكلية التي لا تزال تعيق المشاركة الكاملة والمتساوية للمرأة في هذا المجال الحيوي. وبينما تتجه الأنظار نحو التحول العالمي الذي تقوده الدبلوماسيات، يصبح من الضروري تسليط الضوء على دور المرأة السودانية في هذا السياق، وإمكانياتها في ظل التغيرات السياسية الراهنة، لا سيما في حكومة رئيس الوزراء كامل إدريس المرتقبة.
على الرغم من الالتزامات الدولية المتكررة بتحقيق المساواة بين الجنسين، لا يزال تمثيل النساء ناقصاً بشكل واضح في العمل الدبلوماسي والقيادة السياسية على مستوى العالم. تشير هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومجلس حقوق الإنسان إلى أن التمييز، والصور النمطية المرتبطة بالنوع الاجتماعي، والعنف السياسي، كلها تشكل عقبات رئيسية تحول دون وصول النساء إلى مواقع اتخاذ القرار رفيعة المستوى. وغالباً ما تُحصر النساء في مناصب وزارية تُصنَّف على أنها “سهلة”، بينما تظل الوزارات السيادية والحيوية تحت هيمنة الذكور.
وفي السياق السوداني، لا يختلف الوضع كثيراً عن هذا المشهد العالمي. تاريخياً، واجهت المرأة السودانية تحديات جمة في الوصول إلى مواقع صنع القرار، بما في ذلك المجال الدبلوماسي. ورغم وجود نساء سودانيات رائدات في هذا المجال تركن بصمة واضحة، إلا أن تمثيلهم لا يزال دون الطموح، ويعكس الصورة العامة لمحدودية المشاركة النسائية في الحياة السياسية والعامة. إن العوائق البنيوية والمجتمعية التي تحد من وصول المرأة إلى المناصب القيادية، بما في ذلك العمل الدبلوماسي، لا تزال قائمة وتحتاج إلى معالجة جذرية.
لقد أثبتت المرأة السودانية على مر التاريخ قدرتها وكفاءتها في مختلف المجالات، والدبلوماسية ليست استثناءً. فبالرغم من التحديات، استطاعت دبلوماسيات سودانيات أن يتقلدون مناصب رفيعة وأن يمثلن السودان بكفاءة واقتدار في المحافل الدولية. لقد كانت المرأة السودانية، بوعيها وثقافتها، قادرة على فهم تعقيدات العلاقات الدولية وتمثيل مصالح بلادها بفاعلية.
إن قدرة المرأة على “ربط البرلمانات بالمنصات الدولية بقيادة شاملة” تنطبق بشكل خاص على المرأة السودانية، التي تمتلك رؤى فريدة حول قضايا السلام والأمن وحقوق الإنسان، وهي قضايا حيوية بالنسبة للسودان في ظل الظروف الراهنة. إن إشراك المرأة السودانية في صياغة السياسة الخارجية للبلاد من شأنه أن يضيف بعداً إنسانياً وأكثر شمولية لهذه السياسات، ويعزز من تبني نهج خارجي يعكس القيم الديمقراطية والتطلعات الشعبية.
مع التطلع إلى تشكيل حكومة رئيس الوزراء كامل إدريس، تبرز فرصة تاريخية لتعزيز دور المرأة السودانية في العمل الدبلوماسي. يجب أن تكون هذه الحكومة ملتزمة بتطبيق نظم الحصص وتعيين النساء في مواقع قيادية حساسة، بما في ذلك وزارة الخارجية والمناصب الدبلوماسية الرفيعة في السفارات والبعثات الدائمة. إن وجود المرأة في هذه المناصب ليس مجرد تحقيق للمساواة، بل هو ضرورة استراتيجية لتعزيز مكانة السودان على الساحة الدولية.
يجب على حكومة كامل إدريس أن تستثمر في برامج التوجيه المهني ومكافحة التحرش لضمان بيئة عمل آمنة وداعمة للدبلوماسيات السودانيات. كما يجب أن تعمل على دعم البرلمان في استخدام سلطاته التشريعية للمطالبة بالتوازن بين الجنسين في البعثات الخارجية والمنابر المتعددة الأطراف. إن الدبلوماسية لم تعد حكراً على دائرة ضيقة من النخب، بل أصبحت ساحة أوسع تُصاغ من خلالها سياسات ترفع راية السلام والعدالة والمساواة للجميع. المرأة السودانية، بواقعيتها وثبات أقدامها وعينيها على الآفاق البعيدة، هي الأقدر على تحقيق ذلك.
إن تمكين المرأة السودانية في الدبلوماسية سيسهم بشكل كبير في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا سيما الهدف 5 الذي يدعو إلى مشاركة المرأة على قدم المساواة في صنع القرار. وبحلول عام 2025، ومع التغيرات الملموسة في المشهد الدبلوماسي العالمي الذي تقوده نساء دبلوماسيات، يجب أن يكون للسودان نصيبه من هذا التحول، وأن تكون المرأة السودانية في طليعة هذا التحول، لترسم مستقبلاً تعكس فيه الدبلوماسية حقوق واحتياجات الجميع.
هناك العديد من المبادرات المحددة التي تهدف إلى تعزيز دور المرأة في الدبلوماسية على المستويين الوطني والدولي. يمكن تصنيف هذه المبادرات ضمن عدة محاور رئيسية، منها مبادرات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، فتعد الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة في طليعة الجهود المبذولة لتعزيز تمثيل المرأة في العمل الدبلوماسي. ومن أبرز هذه المبادرات هيئة الأمم المتحدة للمرأة (UN Women) وعمل هذه الهيئة كنصير عالمي رئيسي لقضايا المرأة والفتاة، وتسعى جاهدة لتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في جميع المجالات، بما في ذلك الدبلوماسية. تدعم الهيئة برامج تهدف إلى إزالة العوائق الهيكلية، وتوفير التدريب، وتعزيز مشاركة المرأة في عمليات صنع القرار على الصعيد العالمي.
قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بالإجماع بتخصيص يوم 24 يونيو من كل عام يوماً عالمياً للمرأة في العمل الدبلوماسي، مما يعكس التزاماً دولياً زيادة الوعي بهذا الدور. كما أن قرارات مجلس الأمن، مثل قرار 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن، تدعو إلى زيادة مشاركة المرأة في عمليات السلام ومنع النزاعات، مما يفتح الباب أمام دور دبلوماسي أوسع للمرأة، وبرامج التوجيه والتدريب، فتقدم منظمات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة برامج توجيه وتدريب مصممة خصيصاً الدبلوماسيات، لتعزيز مهاراتهم القيادية والتفاوضية والإدارية، وتزويدهم بالأدوات اللازمة للنجاح في السلك الدبلوماسي.
تلعب برامج التدريب المتخصصة دوراً حاسماً في إعداد وتأهيل الدبلوماسيات وتزويدهم بالمهارات اللازمة. تتضمن هذه البرامج عادة. تنمية المهارات القيادية بدورات تركز على تعزيز الثقة بالنفس، واتخاذ القرار، والقيادة الفعالة في بيئات العمل الدبلوماسي المعقدة، ومهارات التفاوض والاتصال ببرامج تدريبية متقدمة لتعليم فنون التفاوض الدبلوماسي، والبروتوكول، والتواصل الفعال مع مختلف الأطراف. وتدريب الدبلوماسيات على كيفية التعامل مع الأزمات الدولية والنزاعات ، ومهارات الوساطة، وبناء السلام، والتعرف على آليات القوة الناعمة بفهم كيفية استخدام الدبلوماسية الثقافية والعامة لبناء صورة إيجابية للدولة.
تسعى العديد من الدول والمؤسسات الوطنية إلى تطبيق سياسات ومبادرات لتعزيز تمثيل المرأة في سلكها الدبلوماسي بالدعم والتمكين، ومنها نظم الحصص والتعيينات المستهدفة بتبني سياسات لضمان نسبة معينة من تمثيل المرأة في المناصب الدبلوماسية العليا، بما في ذلك السفراء والممثلين الدائمين، وإنشاء برامج توجيه وارشاد للنساء الدبلوماسيات الشابات من قبل دبلوماسيات خبيرات، لمساعدتهم على التنقل في مسارهم المهني والتغلب على التحديات، ووضع آليات وسياسات صارمة لمكافحة التحرش والعنف السياسي، سواء عبر الإنترنت أو في الواقع، لضمان بيئة عمل آمنة وداعمة للمرأة، وتوفير مرونة في السياسات الداعمة للتوازن بين العمل والحياة، في ساعات العمل، وإجازات الأمومة والأبوة، ودعم رعاية الأطفال لمساعدة الدبلوماسيات على الموازنة بين مسؤولياتهم المهنية والشخصية، والتعاون مع البرلمانات بتعزيز الشراكة بين وزارات الخارجية والبرلمانات للمطالبة بزيادة تمثيل المرأة في البعثات الدبلوماسية، من خلال لجان الإشراف على السياسات الخارجية.
تلعب المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني دوراً مهماً في دعم الدبلوماسيات من خلال الدعوة والمناصرة بالضغط على الحكومات والمنظمات الدولية لتبني سياسات تعزز تمثيل المرأة في الدبلوماسية، وبناء القدرات بتقديم التدريب وورش العمل الدبلوماسيات والنساء الطامحات لدخول السلك الدبلوماسي، ونشاء منصات وشبكات لدعم الدبلوماسيات وتبادل الخبرات والمعرفة، والمتابعة ورصد تقدم الدول في تحقيق المساواة بين الجنسين في العمل الدبلوماسي ونشر التقارير.
بعض الدول، مثل كندا والسويد وهولندا، تبنت سياسات خارجية نسوية تضع المساواة بين الجنسين في صميم أولوياتها الدبلوماسية. هذا المنهج يركز على إدماج منظور النوع الاجتماعي بضمان أن جميع جوانب السياسة الخارجية، من التجارة إلى الأمن إلى المساعدات الإنسانية، تأخذ في الاعتبار احتياجات وتجارب النساء والفتيات، وتعزيز القيادة النسائية بتشجيع وتعيين النساء في المناصب الدبلوماسية العليا كجزء أساسي من هذه السياسة، ودعم منظمات المجتمع المدني النسائية بالتعاون مع وتمويل المنظمات التي تعمل على تعزيز حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين على المستوى العالمي.
هذه المبادرات المتنوعة تعمل معاً لخلق بيئة أكثر شمولية وتمكيناً للمرأة في العمل الدبلوماسي، مما يسهم في بناء عالم أكثر سلاماً وعدلاً وازدهاراً.
Ghariba2013@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى