شئ للوطن
م.صلاح غريبة … يكتب
السودان: حماية البيئة ضرورة للبقاء والسلام
يحل علينا اليوم العالمي للبيئة في الخامس من يونيو كل عام، وهو مناسبة عالمية لتسليط الضوء على أهمية حماية كوكبنا. ومع ذلك، يكتسب هذا اليوم في السودان أهمية مضاعفة ومُلحة، خاصة في ظل الظروف الراهنة التي تعصف بالبلاد. فبينما تتصاعد أصوات البنادق، تتفاقم الأزمة البيئية في صمت، تاركة آثارًا مدمرة قد لا تقل خطورة عن آفة الحرب نفسها.
لقد ألقت الحرب بظلالها الكثيفة على كل مناحي الحياة في السودان، ولم تكن البيئة بمنأى عن هذا الدمار. فالتنقل السكاني الهائل، سواء كان نزوحًا داخليًا أو لجوءًا إلى دول الجوار، أدى إلى ضغط غير مسبوق على الموارد الطبيعية والبنى التحتية البيئية. فالملايين الذين هُجّروا من ديارهم يبحثون عن مأوى ومصادر للعيش، مما يؤدي إلى استنزاف الغابات لقطع الأخشاب، وتلوث مصادر المياه نتيجة للاكتظاظ وغياب الصرف الصحي المناسب، وتراكم النفايات في المناطق المكتظة بالسكان. هذه التحديات البيئية تزيد من وطأة الأزمة الإنسانية وتُهدد بتداعيات طويلة الأمد على صحة الإنسان والتنوع البيولوجي.
في خضم هذه الظروف المعقدة، تبرز ضرورة قصوى لتفعيل صحافة البيئة كجزء لا يتجزأ من المنظومة الإعلامية في السودان. فالإعلام يمتلك قوة هائلة في تشكيل الوعي العام وتوجيه الرأي. يجب أن تتجاوز صحافة البيئة مجرد الأخبار العابرة لتُقدم تحليلات متعمقة حول تأثيرات الحرب على البيئة، وتُسلط الضوء على قصص الصمود البيئي والحلول الممكنة، وتُحفز النقاش العام حول المسؤولية البيئية الفردية والجماعية. من خلال التقارير الاستقصائية والمقالات التثقيفية والبرامج التوعوية، يمكن لصحافة البيئة أن تُعيد قضية البيئة إلى صدارة الأولويات، وتُحفز الجهود الرامية إلى حمايتها.
ولا يقل أهمية عن ذلك، تأمين المادة البيئية في المناهج التعليمية المختلفة. فالأجيال القادمة هي التي ستتحمل عبء إصلاح ما دمرته الحرب، وهي التي ستواجه تحديات بيئية متزايدة. يجب أن تُغرس بذور الوعي البيئي في عقول الأطفال والشباب منذ مراحلهم الدراسية الأولى. يجب أن تُقدم المناهج التعليمية مفاهيم مثل التنمية المستدامة، تغير المناخ، الحفاظ على الموارد، وأهمية التنوع البيولوجي، بطرق مبتكرة وجذابة. فالعلم والمعرفة هما الأساس لبناء جيل واعٍ ومسؤول قادر على حماية بيئته.
يُعد تعزيز الوعي البيئي في السودان خلال هذه الفترة أمرًا حاسمًا. فمعاناة الشعب السوداني من ويلات الحرب قد تُلقي بظلالها على اهتماماته اليومية، ولكن لا يجب أن يُنسينا ذلك أن صحتنا وسلامتنا ترتبطان ارتباطًا وثيقًا بسلامة بيئتنا. يجب أن تُبذل جهود مكثفة، على المستويين الرسمي والشعبي، لنشر الوعي حول قضايا البيئة الملحة. يمكن تحقيق ذلك من خلال حملات توعية عامة، ورش عمل مجتمعية، واستغلال منصات التواصل الاجتماعي للوصول إلى أوسع شريحة ممكنة من الجمهور.
وفي هذا السياق، يجب أن نُولي اهتمامًا خاصًا لـالتلوث البلاستيكي، والذي يُعد شعار هذا العام لليوم العالمي للبيئة. فالبلاستيك، على الرغم من سهولة استخدامه، يُشكل خطرًا بيئيًا جسيمًا، خاصة في ظل غياب أنظمة إدارة النفايات الفعالة. تتراكم النفايات البلاستيكية في المدن والقرى وحتى في المناطق النائية، مما يُلوث التربة والمياه ويُهدد الحياة البرية والبحرية. يجب أن تُشجع الممارسات الصديقة للبيئة مثل تقليل استخدام البلاستيك أحادي الاستخدام، وإعادة التدوير، والبحث عن بدائل مستدامة.
إن حماية البيئة في السودان ليست رفاهية، بل هي ضرورة بقاء. وفي ظل الظروف الحالية، فإن الجهود المبذولة في هذا الصدد تُعد جزءًا لا يتجزأ من بناء السلام وإعادة الإعمار. فعندما تُعالج الأسباب الجذرية للأزمة البيئية، فإننا نُساهم في بناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا للأجيال القادمة.
Ghariba2013@gmail.com