أعمدة الرأي

شئ للوطن

صلاح غريبة
م.صلاح غريبة … يكتب
التحول الرقمي والتطور المهني: بناء مستقبل السودان بعد الحرب والتعافي
إن التحول الرقمي ليس مجرد صيحة عصرية، بل هو قوة دافعة لا غنى عنها لتحقيق التنمية المستدامة والتعافي الشامل، لا سيما في البلدان التي تمر بمراحل ما بعد النزاع، وعلى رأسها السودان. فبعد سنوات من الحرب والتحديات الجسيمة، يواجه السودان اليوم فرصة فريدة لإعادة بناء نفسه، وتشكيل مستقبله، وهذا لا يمكن أن يتم بمعزل عن تبني ثقافة التحول الرقمي والتطور المهني المستمر.
إن العلاقة بين التحول الرقمي والتطور المهني هي علاقة تكافلية؛ فكلما ازداد التغلغل الرقمي في شتى جوانب الحياة، زادت الحاجة إلى مهارات رقمية متقدمة وقدرات مهنية متجددة. وفي المقابل، فإن وجود قوة عاملة ماهرة ومطلعة على أحدث التطورات التكنولوجية يسرع من وتيرة التحول الرقمي ويضمن فاعليته.
في سياق السودان ما بعد الحرب ومرحلة التعافي، يكتسب التحول الرقمي أهمية قصوى لعدة أسباب منها إعادة بناء البنية التحتية والخدمات، فيمكن للتكنولوجيا الرقمية أن تلعب دوراً حاسماً في إعادة بناء البنية التحتية المدمرة، وتحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، وحتى الخدمات المصرفية والمالية. فمن خلال المنصات الرقمية، يمكن توفير هذه الخدمات بشكل أكثر كفاءة وشمولية، حتى في المناطق النائية.
تعزيز الشفافية والحوكمة الرشيدة، ففي مرحلة ما بعد الحرب، تعتبر الشفافية ومكافحة الفساد أمراً بالغ الأهمية لاستعادة الثقة وبناء مؤسسات قوية. يمكن للحلول الرقمية، مثل الأنظمة الحكومية الإلكترونية وقواعد البيانات المفتوحة، أن تساهم بشكل كبير في تعزيز الشفافية وتحسين الحوكمة.
خلق فرص عمل جديدة وتنشيط الاقتصاد، ويفتح التحول الرقمي آفاقاً واسعة لظهور صناعات جديدة ووظائف لم تكن موجودة من قبل. فمن تطوير التطبيقات والبرمجيات، إلى التجارة الإلكترونية وخدمات التسويق الرقمي، يمكن للقطاع الرقمي أن يصبح محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي وخلق فرص عمل للشباب والعائدين.
تحسين الوصول إلى المعلومات والمعرفة، وتتيح الأدوات الرقمية وصولاً غير مسبوق إلى المعلومات والمعرفة، مما يدعم جهود التعليم والتدريب المهني. يمكن للمنصات التعليمية عبر الإنترنت أن تساعد في سد الفجوات التعليمية التي خلفتها الحرب، وتوفر فرصاً للتعلم مدى الحياة.
لا يمكن أن يحدث التحول الرقمي بمعزل عن التطور المهني المستمر. فمع التغيرات المتسارعة في سوق العمل، يتطلب الأمر من الأفراد والمؤسسات على حد سواء التكيف واكتساب مهارات جديدة. في السودان ما بعد الحرب، يمثل التطور المهني تحدياً وفرصة في آن واحد، بضرورة إعادة تأهيل القوى العاملة، ويحتاج الكثير من الأفراد الذين تضرروا من الحرب إلى إعادة تأهيل وتدريب على مهارات جديدة تتناسب مع متطلبات سوق العمل المتغيرة.
التركيز على المهارات الرقمية والمهارات الناعمة، ولم تعد المهارات التقنية وحدها كافية. بل أصبحت المهارات الرقمية الأساسية، مثل محو الأمية الرقمية واستخدام أدوات التواصل والتعاون الرقمي، ضرورية للجميع. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر المهارات الناعمة (Soft Skills) مثل حل المشكلات، التفكير النقدي، والإبداع، والتكيف، أساسية للنجاح في أي بيئة عمل رقمية.
ريادة الأعمال والابتكار، فيشجع التطور المهني الأفراد على التفكير كرّواد أعمال، واستغلال الفرص التي يتيحها التحول الرقمي لإنشاء مشاريعهم الخاصة، والمساهمة في بناء اقتصاد متنوع ومرن.
يتطلب تعزيز التحول الرقمي والتطور المهني في السودان بعد الحرب والتعافي مقاربة شاملة ومتكاملة تتضمن وضع استراتيجية وطنية شاملة للتحول الرقمي، فيجب أن تكون هذه الاستراتيجية واضحة المعالم، وتحدد الأهداف، وتخصص الموارد، وتضم خططاً لتطوير البنية التحتية، وتوفير خدمات الإنترنت بأسعار معقولة، وتطوير الكفاءات الرقمية.
الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، وهذا يشمل توسيع نطاق الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة، وتطوير مراكز البيانات، وتأمين الشبكات. يجب أن يكون هذا الاستثمار أولوية قصوى لضمان وصول الجميع إلى الأدوات الرقمية.
تطوير القدرات البشرية من خلال التعليم والتدريب، بإعادة تأهيل المناهج التعليمية، ويجب تحديث المناهج الدراسية في جميع المراحل التعليمية لتشمل مهارات التفكير الحسابي، ومحو الأمية الرقمية، وعلوم الحاسوب، إنشاء برامج تدريب مهني مكثفة تركز على المهارات الرقمية المطلوبة في السوق، مثل تطوير الويب والتطبيقات، تحليل البيانات، الأمن السيبراني، والتسويق الرقمي.
الاستفادة من خبرات القطاع الخاص والمؤسسات الدولية في تصميم وتنفيذ برامج تدريب عالية الجودة، وتوفير فرص للتدريب العملي، وتعزيز مفهوم التعلم مدى الحياة بتشجيع الأفراد على الاستمرار في التعلم واكتساب مهارات جديدة على مدار حياتهم المهنية من خلال المنصات التعليمية عبر الإنترنت والدورات التدريبية المتاحة.
دعم الابتكار وريادة الأعمال بتوفير بيئة داعمة للشركات الناشئة وإنشاء حاضنات الأعمال ومسرعات، وتوفير التمويل الأولي، وتسهيل الإجراءات القانونية لتأسيس الشركات الناشئة في المجال الرقمي، وتشجيع البحث والتطوير، بالاستثمار في البحث والتطوير في مجالات التكنولوجيا الرقمية لتعزيز الابتكار المحلي.
تسهيل الوصول إلى التمويل بتوفير آليات تمويل ميسرة للمشاريع الرقمية الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر في هذا القطاع، وبناء الثقة الرقمية والأمن السيبراني، ففي ظل التوسع الرقمي، يصبح بناء الثقة في البيئة الرقمية وحماية البيانات أمراً حيوياً. يتطلب ذلك وضع أطر قانونية وتشريعية قوية للأمن السيبراني وحماية البيانات، وتوعية المستخدمين بمخاطر الإنترنت وكيفية تجنبها.
إن التحول الرقمي والتطور المهني ليسا مجرد خيارات للسودان في مرحلة ما بعد الحرب والتعافي، بل هما ضرورة حتمية. من خلال استراتيجية واضحة، واستثمار مستدام في البنية التحتية والقدرات البشرية، ودعم للابتكار، يمكن للسودان أن ينهض من رماد الحرب أقوى وأكثر مرونة، وأن يبني مستقبلاً مزدهراً يواكب متطلبات العصر الرقمي، ويوفر فرصاً حقيقية لجميع أبنائه. إنها رحلة تتطلب تضافر الجهود من الحكومة، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، والمجتمع الدولي، ولكن مكاسبها ستكون أكبر بكثير من أي تحديات.
Ghariba2013@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى