شئ للوطن
م.صلاح غريبة … يكتب
التكنولوجيا: طوق النجاة لمستقبل المياه في عالمنا العربي
تُشكل ندرة المياه أحد أبرز التحديات التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين، وتزداد حدة هذه الأزمة في منطقتنا العربية التي تُعد من أكثر المناطق جفافًا في العالم. ومع تزايد الضغوط السكانية، وتقلبات المناخ التي تُؤثر على أنماط هطول الأمطار، يصبح البحث عن حلول مبتكرة أمرًا حتميًا لضمان الأمن المائي للأجيال الحالية والمستقبلية. هنا تبرز أهمية التكنولوجيا كشريك أساسي في التنمية، وكسلاح فعال في مواجهة هذه التحديات المعقدة.
لا يخفى على أحد أن أكثر من 90% من سكان الدول العربية يعانون من مستويات حرجة من ندرة المياه، كما أشير إلى ذلك في مؤتمر بغداد الدولي الخامس للمياه. هذا الواقع يستدعي تحركًا جادًا، فالاعتماد على الموارد المائية المشتركة التي تأتي 60% منها من خارج المنطقة العربية، يُضاعف من مسؤولية الدول في التعاون الإقليمي والالتزام بالقوانين الدولية للمياه.
لنأخذ السودان كمثال حي يعكس التحديات المزدوجة التي تواجهها العديد من الدول. فبينما تُعاني بعض المناطق من ندرة حادة في المياه، تُغرق مناطق أخرى في فيضانات مُدمرة نتيجة لتذبذب هطول الأمطار. هذا التناقض الصارخ لا يُعيق التنمية فحسب، بل يُهدد صحة المواطنين، فارتفاع حالات الكوليرا بسبب سوء مصادر المياه يُعد مؤشرًا خطيرًا على تفاقم الأزمة. في هذا السياق، يمكن للتكنولوجيا أن تُقدم حلولًا جذرية لإدارة هذا التناقض، فمن خلال أنظمة المراقبة الذكية يمكن تتبع منسوب المياه وتوزيعها بشكل أكثر فعالية.
يُؤكد شعار مؤتمر بغداد الدولي الخامس للمياه “المياه والتكنولوجيا.. شراكة من أجل التنمية” على الفهم العميق للدور المحوري الذي تلعبه التكنولوجيا. إن توظيف التقنيات الحديثة لم يعد خيارًا، بل ضرورة مُلحة لتعزيز الأمن المائي، وبالتالي الأمن الغذائي والبيئي. ويمكن للتكنولوجيا أن تُساهم في عدة جوانب رئيسية ومنها تحسين كفاءة استخدام المياه من خلال أنظمة الري الذكية، والاستشعار عن بعد لمراقبة احتياجات المحاصيل، يمكن تقليل هدر المياه بشكل كبير في الزراعة، والتي تُعد أكبر مستهلك للمياه.
تُقدم التكنولوجيا حلولًا متقدمة لتحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها، مما يُوفر مصادر مياه إضافية ويُقلل الاعتماد على المياه العذبة التقليدية.
تُمكن التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة من بناء نماذج تنبؤية دقيقة لأنماط هطول الأمطار، ومستويات المياه في السدود والأنهار، مما يُساهم في إدارة الموارد بشكل أكثر استدامة.
تُساعد أجهزة الاستشعار المتطورة وتقنيات المختبرات المتنقلة في الكشف السريع عن تلوث المياه، مما يُمكن من اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الصحة العامة والحد من انتشار الأمراض المنقولة عن طريق المياه.
لا تقتصر التكنولوجيا على الحلول التقنية المباشرة، بل يمكن استخدامها كأداة فعالة لتثقيف الأجيال الجديدة والمستقبلية حول أهمية ترشيد استهلاك المياه، وتشجيع الابتكار في هذا المجال.
إن التحديات المائية التي تُواجهها منطقتنا العربية كبيرة ومعقدة، لكن الإرادة السياسية، إلى جانب تسخير الإمكانات التكنولوجية، يُمكن أن يُمهد الطريق لمستقبل أكثر أمنًا مائيًا. بالشراكة بين المياه والتكنولوجيا، والتعاون الإقليمي الفعال، وتبادل الخبرات، هي الركائز الأساسية التي ستمكننا من بناء مستقبل مستدام للأجيال القادمة.
Ghariba2013@gmail.com