شئ للوطن
م.صلاح غريبة… يكتب
فاجعة زمزم: صرخة نساء السودان المكلومة في وجه الظلم الصامت
تتوالى الأنباء المروعة من السودان، لتكشف عن فصول جديدة من المأساة الإنسانية التي تعيشها البلاد، وخاصةً في دارفور. فبينما تتجه الأنظار إلى الصراع المسلح الدائر، يتكشف النقاب عن جرائم وحشية تُرتكب في الخفاء، وتُلقي بظلالها الكئيبة على حياة النساء والفتيات. إن ما حدث في مخيم زمزم للنازحين، وما كشفت عنه التقارير الأخيرة، ليس مجرد حوادث فردية، بل هو جزء من نمط ممنهج من الانتهاكات التي تُمارسها ميليشيا الدعم السريع، وتُصنف ضمن جرائم الحرب، وربما ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
إن الكشف عن وفاة خمس فتيات من أصل 23 اختطفتهم ميليشيا الدعم السريع من مخيم زمزم و اقتيادهم إلى سجن دقريس في نيالا، هو بمثابة صدمة تهز الوجدان الإنساني. هذه الفتيات، اللواتي كان يفترض أن يجدن الأمان في مخيم للنازحين، وجدن أنفسهن في براثن الظلم والتعذيب، لتُنهي حياتهن البريئة قبل الأوان. إن الحالة الصحية السيئة لـ 18 فتاة أخرى هي بمثابة ناقوس خطر يُنذر بكارثة إنسانية وشيكة. وتُبرز هذه الفاجعة حجم الجريمة المرتكبة، وتُلقي بظلالها على مصير المئات، وربما الآلاف، من النساء والفتيات اللواتي وقعن ضحية لهذا العنف الممنهج.
تُضاف هذه الحادثة المأساوية إلى سلسلة طويلة من الانتهاكات التي كشفت عنها شبكة المبادرة الاستراتيجية للنساء في القرن الأفريقي “صيحة” (SIHA)، والتي أكدت وقوع جرائم اغتصاب واختطاف مروعة خلال هجوم قوات الدعم السريع على مخيم زمزم. إن شهادات ثمان سيدات تعرضن للاغتصاب داخل المعسكر، وتأكيد شهود عيان قيام عناصر من قوات الدعم السريع باختطاف ما لا يقل عن 25 امرأة وفتاة، تُشكل أدلة دامغة على حجم الجرائم المرتكبة. هذه الجرائم ليست مجرد انتهاكات فردية، بل هي أعمال تُمارس بقصد الإذلال والسيطرة والتهجير القسري للمدنيين، وهو ما يُصنف ضمن جرائم الحرب، ويُمكن أن يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
إن الأرقام التي أعلنتها وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل في السودان، والتي تُشير إلى تسجيل 1138 حالة اغتصاب وعنف جنسي، منها 193 حالة لأطفال، و134 حالة اختفاء واسترقاق جنسي من قبل قوات الدعم السريع، هي أرقام مفزعة تُبرز حجم الكارثة. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل هي قصص مؤلمة لضحايا فقدن كرامتهن وحقوقهن، وتُعاني كل منهن من صدمات نفسية وجسدية عميقة قد لا تُشفى أبدًا.
إن الاتهامات الموجهة من منظمة العفو الدولية لقوات حميدتي بارتكاب انتهاكات جنسية مروعة ضد النساء والفتيات في جميع أنحاء السودان خلال الحرب التي دخلت عامها الثالث، تُعزز من حجم الصورة الكارثية. إن هذه الانتهاكات، التي تشمل جرائم اغتصاب فردي وجماعي واستعباد جنسي، هي أدوات حرب تُستخدم لترويع السكان وإذلالهم، وفرض السيطرة عليهم، وتهجيرهم من ديارهم.
في ظل هذه الظروف المأساوية، يصبح صوت المنظمات الدولية والمحلية العاملة في مجال حقوق الإنسان أكثر أهمية من أي وقت مضى. إن المطالبة بالضغط على قوات الدعم السريع لإطلاق سراح الفتيات المختطفات، هو أمر بالغ الأهمية، فكل لحظة تمر تُعرض حياتهن للخطر. يجب على المجتمع الدولي أن لا يقف مكتوف الأيدي أمام هذه الجرائم البشعة. يجب أن تُمارس جميع أشكال الضغط على قوات الدعم السريع لوقف هذه الانتهاكات فورًا، وتقديم مرتكبيها إلى العدالة.
إن واجبنا الإنساني يُملي علينا أن نكون صوتًا لهؤلاء النساء والفتيات المكلومات. يجب أن لا تُنسى فاجعة زمزم، ويجب أن لا تُصمت صرخة النساء السودانيات المكلومة في وجه الظلم الصامت. إن العدالة يجب أن تُحقق، والمسؤولية يجب أن تُحاسب، لكي لا تتكرر هذه المآسي في المستقبل. إن استمرار هذه الانتهاكات يُهدد بانهيار كامل للمجتمع السوداني، ويُشكل وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء.
Ghariba2013@gmail.com