أعمدة الرأي

شئ للوطن

صلاح غريبة
م.صلاح غريبة… يكتب
السودان والتآزر المناخي
انعقد في الدنمارك المؤتمر العالمي السادس للتآزر بشأن المناخ وأهداف التنمية المستدامة، ممثلاً نقطة التقاء حاسمة للقادة والخبراء من جميع أنحاء العالم. يهدف المؤتمر إلى تعزيز التنسيق بين الجهود المبذولة لمواجهة تحديات تغير المناخ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر التي وضعتها الأمم المتحدة. هذه الأهداف، التي تشمل القضاء على الفقر، توفير التعليم الجيد، تعزيز الصحة، وتوفير طاقة نظيفة، تتشابك بشكل وثيق مع قضايا المناخ. فالتغيرات المناخية، مثل الجفاف والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة، لا تؤثر فقط على البيئة بل تهدد أيضاً الأمن الغذائي، الموارد المائية، والبنية التحتية، مما يعيق بشكل مباشر تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
يواجه السودان، كغيره من الدول النامية، تحديات جسيمة في كل من مجالي المناخ والتنمية المستدامة. تتأثر البلاد بشكل كبير بالتغيرات المناخية، حيث يشهد جفافاً متكرراً، وتصحر الأراضي، وفيضانات مدمرة في بعض المناطق، مما يؤثر سلباً على الزراعة التي تشكل عصب الاقتصاد السوداني ومعيشة غالبية السكان. هذه التحديات المناخية تزيد من هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتعيق التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، خاصة تلك المتعلقة بالفقر والجوع والمياه النظيفة والطاقة المتجددة.
لكن الوضع الحالي في السودان يزداد تعقيداً بسبب آثار الحرب المدمرة التي تشهدها البلاد. لقد تسببت الحرب في نزوح الملايين، تدمير البنية التحتية، وانهيار الخدمات الأساسية، مما أثر بشكل كبير على قدرة البلاد على التعامل مع القضايا المناخية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. لقد تفاقمت الأزمة الإنسانية، وأصبح الملايين في حاجة ماسة للمساعدات الغذائية والمأوى والرعاية الصحية. في ظل هذه الظروف، تبدو الجهود المبذولة في سبيل التنمية المستدامة والمناخ وكأنها ترف، بينما الأولوية القصوى هي إنقاذ الأرواح وتوفير الاحتياجات الأساسية.
على الرغم من التحديات الهائلة، يجب أن يكون السودان جزءاً فاعلاً في هذه المحادثات العالمية، لا سيما فيما يتعلق بخارطة الطريق بعد التعافي من آثار الحرب. يمثل التعافي فرصة فريدة لإعادة بناء السودان على أسس أكثر استدامة ومرونة في مواجهة التغيرات المناخية. يجب أن تركز هذه الخارطة على عدة محاور أساسية منها إعادة الإعمار الأخضر، فعند إعادة بناء البنية التحتية والمنازل، يجب تبني ممارسات البناء المستدام التي تعتمد على الطاقة المتجددة والمواد الصديقة للبيئة، مع الأخذ في الاعتبار معايير مقاومة الكوارث الطبيعية.
بخصوص الأمن الغذائي والمائي، يجب التركيز على تطوير أنظمة زراعية مرنة ومستدامة تتحمل تغيرات المناخ، مثل الزراعة الذكية مناخياً، وتحسين إدارة الموارد المائية، وتطوير تقنيات الري الحديثة لمواجهة ندرة المياه والجفاف.
يمتلك السودان إمكانات هائلة في مجال الطاقات المتجددة منها الطاقة الشمسية والرياح. يجب الاستثمار في هذه المصادر لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتوفير طاقة نظيفة ومستدامة للمناطق الريفية والحضرية.
يلعب التعليم دوراً حيوياً في بناء قدرة المجتمعات على التكيف مع تغيرات المناخ وتعزيز الوعي بأهداف التنمية المستدامة. يجب التوعية ودمج هذه المفاهيم في المناهج الدراسية وتوفير برامج تدريبية للمزارعين والمجتمعات المحلية.
تعزيز الحوكمة والمؤسسات، ولتحقيق هذه الأهداف، يتطلب الأمر بنية مؤسسية قوية وحوكمة رشيدة تضمن الشفافية والمساءلة في إدارة الموارد وتنفيذ المشاريع، ويحتاج السودان إلى دعم دولي كبير، سواء كان ذلك في شكل مساعدات مالية أو تقنية أو خبرات. يجب على المجتمع الدولي أن يدرك أن استقرار السودان وتنميته يصب في مصلحة المنطقة والعالم أجمع.
إن المؤتمر العالمي للتآزر في الدنمارك يوفر منصة حيوية للسودان لطرح تحدياته ورؤيته المستقبلية. يجب على السودان أن يستغل هذه الفرصة لتقديم خطة واضحة ومحددة للتعافي والتنمية المستدامة، تدمج الاعتبارات المناخية في صميم أولوياتها. فبعد انتهاء الحرب، ستكون لحظة حاسمة لإعادة تشكيل مستقبل البلاد، ويجب أن يكون هذا المستقبل مستداماً ومرناً وقادراً على تلبية احتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية. إن التآزر بين الجهود المناخية والتنموية ليس خياراً، بل ضرورة ملحة للسودان لضمان مستقبل أفضل لشعبه.
Ghariba2013@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى