شئ للوطن
م.صلاح غريبة … يكتب
مستقبل المتاحف في مجتمعات سريعة التغير: نظرة على السودان وتحديات استعادة الدور
إن اختيار الثامن عشر من مايو ليوم المتاحف العالمي، بتنسيق من المجلس الدولي للمتاحف (ICOM)، يمثل مناسبة سنوية بالغة الأهمية لتسليط الضوء على الدور الحيوي الذي تلعبه المتاحف في مجتمعاتنا. ففي كل عام، يتم اختيار موضوع محدد يعكس قضية أو تحديًا يواجه هذه المؤسسات الثقافية على الصعيد الدولي، مما يتيح فرصة للتفكير الجماعي وتبادل الخبرات حول كيفية تعزيز دورها وتطويرها.
ويأتي احتفال هذا العام تحت عنوان “مستقبل المتاحف في مجتمعات سريعة التغير”، ليؤكد على ضرورة تكيف المتاحف مع التحولات المتسارعة التي يشهدها عالمنا في مختلف المجالات. فالتكنولوجيا الرقمية، والتغيرات المناخية، والقضايا الاجتماعية المتجددة، كلها عوامل تستدعي من المتاحف إعادة التفكير في طرق عملها، وتوسيع نطاق جمهورها، وتقديم محتوى أكثر تفاعلية وملاءمة للعصر.
وفي خضم هذه النقاشات العالمية حول مستقبل المتاحف، يبرز وضع المتاحف في السودان كحالة خاصة ومؤلمة. فالحرب الدائرة في البلاد منذ شهور طويلة ألقت بظلالها القاتمة على كل مناحي الحياة، ولم يسلم منها القطاع الثقافي والمتحفي. لقد تعرضت العديد من المتاحف والمواقع الأثرية للنهب والتخريب، وفقدت كنوز تاريخية وثقافية لا تقدر بثمن.
إن حجم الخسائر التي لحقت بالموروث الثقافي السوداني جراء هذه الحرب يمثل فاجعة حقيقية. فالمتاحف ليست مجرد مخازن التحف والآثار، بل هي ذاكرة الأمة، وشاهد على تاريخها وحضارتها. وعندما تتعرض هذه المؤسسات للتدمير، فإننا نفقد جزءًا أصيلًا من هويتنا وذاكرتنا الجماعية.
ولكن، وفي ظل هذه الظروف الصعبة، يبقى الأمل معقودًا على إمكانية استعادة المتاحف السودانية لدورها الطبيعي، بل وتعزيز وتطوير القطاع المتحفي في البلاد. إن تحقيق هذا الهدف يتطلب تضافر جهود العديد من الأطراف، على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
على المستوى المحلي، لا بد من العمل على تقييم الأضرار التي لحقت بالمتاحف والمواقع الأثرية، وتوثيق المفقودات، ووضع خطط عاجلة لحماية ما تبقى منها. كما يجب البدء في التفكير في عمليات الترميم والصيانة، وتأهيل الكوادر العاملة في القطاع المتحفي، ووضع استراتيجيات جديدة لجذب الجمهور وتعزيز الوعي بأهمية التراث الثقافي.
أما على المستوى الإقليمي والدولي، فمن الضروري حشد الدعم والمساندة للمتاحف السودانية. يمكن للمنظمات الدولية المتخصصة، مثل اليونسكو والمجلس الدولي للمتاحف (ICOM)، أن تلعب دورًا محوريًا في تقديم الخبرات الفنية والمالية، وتنسيق الجهود الرامية إلى حماية التراث الثقافي السوداني واستعادته. كما يمكن المتاحف والمؤسسات الثقافية في الدول الأخرى أن تقدم الدعم من خلال تبادل الخبرات، وتقديم المساعدة في مجال الترميم والتوثيق، والمساهمة في إعادة بناء القدرات.
إن استعادة المتاحف السودانية لدورها الطبيعي لن يكون بالأمر اليسير، ولكنه ليس مستحيلاً. فالتراث الثقافي السوداني غني ومتنوع، والشعب السوداني يمتلك إرادة قوية للحفاظ على هويته وتاريخه. ومن خلال التخطيط السليم، والتعاون المثمر، والدعم المستمر، يمكن للمتاحف السودانية أن تستعيد مكانتها كمؤسسات حيوية تساهم في بناء مستقبل أفضل للمجتمع السوداني.
إن يوم المتاحف العالمي هذا العام، تحت شعار “مستقبل المتاحف في مجتمعات سريعة التغير”، يمثل فرصة للتأكيد على أهمية المتاحف في كل مكان، بما في ذلك السودان. فالمتاحف ليست مجرد أماكن لعرض الآثار، بل هي مراكز للمعرفة والحوار والتفاعل الثقافي. وفي المجتمعات التي تشهد تحولات عميقة، يصبح دور المتاحف أكثر أهمية في الحفاظ على الذاكرة الجماعية، وتعزيز التفاهم بين الثقافات، والمساهمة في بناء مستقبل أكثر استدامة وشمولية.
فلنجعل من هذا اليوم مناسبة للتفكير في التحديات التي تواجه المتاحف في السودان، و لتجديد التزامنا بدعم هذه المؤسسات الحيوية، وتمكينها من استعادة دورها كاملاً، والمساهمة بفاعلية في بناء مستقبل مزدهر للسودان وشعبه.
Ghariba2013@gmail.com