شئ للوطن
م.صلاح غريبة … يكتب
بصيص أمل من القاهرة: الإعلام ودوره المحوري في إحياء ثقافة التسامح والسلام في السودان
تلقيت بتقدير بالغ دعوة كريمة لحضور الملتقى الهام الذي ينظمه قطاع الإعلام والاتصال بجامعة الدول العربية بالتعاون مع اتحاد إذاعات وتلفزيونات دول منظمة التعاون الإسلامي، والذي ينعقد تحت عنوان “دور الإعلام في ترسيخ ثقافة التسامح والتعايش السلمي” في رحاب الأمانة العامة للجامعة بالقاهرة في الثامن من مايو 2025. إن هذا الملتقى يأتي في توقيت بالغ الأهمية، خاصة ونحن نشهد صراعات ونزاعات مريرة في مناطق عديدة من عالمنا العربي والإسلامي، وفي القلب منها وطني الحبيب السودان الذي يئن تحت وطأة حرب مدمرة.
إن اختيار هذا الموضوع الحيوي للملتقى يعكس إدراكًا عميقًا الدور المحوري الذي يلعبه الإعلام -بمختلف وسائله وتعبيراته- في تشكيل الوعي الجمعي وتوجيه الرأي العام. فالإعلام ليس مجرد ناقل للأخبار والمعلومات، بل هو قوة مؤثرة قادرة على بناء أو هدم الجسور بين المجتمعات والثقافات، وعلى زرع بذور الوئام أو إذكاء نار الفتنة.
وفي سياق السودان المأساوي، يكتسب هذا الدور أهمية مضاعفة. فبعد شهور من الاقتتال الداخلي الذي خلف آلاف الضحايا وملايين النازحين واللاجئين، وتسبب في تمزيق النسيج الاجتماعي، يصبح الإعلام شريكًا أساسيًا في جهود إعادة البناء والسلام. الدور المرتقب من الإعلام السوداني والعربي والإسلامي لا يقتصر فقط على تغطية الأحداث وتوثيقها، بل يتجاوز ذلك إلى مسؤولية وطنية وإنسانية تتمثل في تفنيد خطاب الكراهية والعنف، ويجب على وسائل الإعلام أن تتصدى بكل قوة لخطاب الكراهية والتحريض والعنف الذي أسهم في تأجيج الصراع. ينبغي عليها فضح الأكاذيب والشائعات التي تغذي الانقسام والفرقة، وتقديم روايات بديلة ترتكز على الحقائق والمصداقية.
تعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي ويقع على عاتق الإعلام مسؤولية إبراز القيم المشتركة التي تجمع بين أبناء الشعب السوداني بمختلف مكوناته، وتسليط الضوء على تاريخ طويل من التعايش والتآخي. يمكن للبرامج الهادفة والتقارير المتوازنة أن تساهم في تعزيز ثقافة الحوار وقبول الآخر ونبذ التعصب، ودعم جهود المصالحة الوطنية، فيجب على الإعلام أن يكون منصة للحوار البناء بين الأطراف المتنازعة والمجتمع المدني، وأن يسلط الضوء على مبادرات السلام والمصالحة وجهود الوساطة. يمكن للبرامج الحوارية أن تستضيف شخصيات وطنية تحظى بالاحترام والثقة، وتساهم في تقريب وجهات النظر.
من الضروري أن يقوم الإعلام بتوعية الجمهور السوداني والعالمي بالثمن الباهظ الذي يدفعه السودان جراء هذه الحرب، من خسائر بشرية واقتصادية واجتماعية. يجب تسليط الضوء على معاناة المدنيين، وخاصة النساء والأطفال، وحشد الدعم الإنساني لضحايا الصراع، بالإضافة الى بناء مستقبل مشترك، فيجب على الإعلام أن يساهم في رسم صورة إيجابية لمستقبل السودان، مستقبل يسوده السلام والعدل والتنمية المستدامة. يمكن للبرامج التي تستعرض قصص النجاح والمبادرات الإيجابية أن تبعث الأمل في نفوس السودانيين وتحفزهم على العمل من أجل غد أفضل.
إن الملتقى الذي تستضيفه القاهرة يمثل فرصة سانحة لتبادل الخبرات والأفكار بين الإعلاميين والأكاديميين والخبراء من مختلف الدول العربية والإسلامية حول كيفية تفعيل دور الإعلام في ترسيخ ثقافة التسامح والتعايش السلمي. وأتطلع بشغف إلى المشاركة في هذا الحدث الهام والاستماع إلى الرؤى والمقترحات التي يمكن أن تساهم في إيجاد حلول عملية لتحديات منطقتنا، وفي مقدمتها مأساة السودان.
إن مسؤولية الإعلام في هذه المرحلة التاريخية دقيقة وحساسة. فبكلمة طيبة ورسالة صادقة، يمكن للإعلام أن يكون جسرًا يعبر عليه السودانيون نحو السلام والأمان. وبالتزامه بالموضوعية والمهنية والأخلاق، يمكن للإعلام أن يساهم في تضميد الجراح وبناء مستقبل مشرق لأجيال قادمة. إن بصيص الأمل الذي ينطلق من القاهرة يحمل في طياته دعوة صادقة للإعلام بأن يكون شريكًا فاعلًا في صناعة السلام في السودان وفي كل بقعة مزقتها الصراعات.
Ghariba2013@gmail.com