أعمدة الرأي

شئ للوطن

صلاح غريبة
م.صلاح غريبة … يكتب
تأبين يليق بقامة “ود المكي”: احتفاء بالإبداع والوطنية في رحاب القاهرة

في الرابع من مايو من العام الجاري 2025، ستشهد قاعات الجامعة الأمريكية بالقاهرة فعالية كبرى تحمل اسم قامة سودانية فارقة، الشاعر والدبلوماسي الكبير محمد المكي إبراهيم، الذي رحل عنا في سبتمبر من العام الحالي. هذا التأبين، الذي أعلنت لجنته الإعلامية عن إغلاق باب التسجيل المسبق لحضوره التزامًا بضوابط المؤسسة المضيفة، ليس مجرد ذكرى عابرة لرحيل مبدع، بل هو احتفاء مستحق بمسيرة حافلة بالإنجازات الأدبية والفكرية والمواقف الوطنية الشجاعة.
إن شخصية محمد المكي إبراهيم، كما يصفها الكاتب وليد النور، لم تكن مؤثرة على الساحة السودانية فحسب، بل امتد تأثيرها ليشمل أرجاء الوطن العربي والقارة الأفريقية. فمنذ نعومة أظفاره، تجلت عبقريته وتفوقه، جامعًا بين عوالم الشعر والرواية والفكر بثراء قل نظيره. مسيرته التعليمية المتميزة، وصولًا إلى دراسة القانون في جامعة الخرطوم ثم انخراطه في العمل الدبلوماسي وتقلد منصب سفير السودان في عدة دول، تشهد على نبوغ مبكر وقدرة على التفاعل مع مختلف المجالات.
لكن قمة تألقه تظل مرتبطة بإبداعاته الأدبية الخالدة. دواوينه الشعرية التي صدرت تباعًا، وكتبه الفكرية التي تناولت قضايا الهوية والتاريخ الثقافي السوداني، تركت بصمة لا تمحى في المشهد الثقافي. ولا يمكن إغفال الأثر العميق لأغنيته الوطنية الأشهر “أكتوبر الأخضر”، التي تحولت إلى أيقونة للثورات السودانية، شاهدة على حس وطني رفيع وقدرة فريدة على التعبير عن آمال وتطلعات الشعب.
إن فكرة تكريم هذه القامة الوطنية، التي نشأت من أوساط متنوعة ضمت دبلوماسيين وشعراء ومثقفين وصحفيين، لهي دليل على المكانة الرفيعة التي كان يحظى بها الراحل في قلوب ووجدان أبناء وطنه. وتشكيل لجنة عليا للتنظيم، برئاسة السفير جمال محمد إبراهيم وعضوية نخبة من الكفاءات، يعكس الحرص على تقديم تأبين يليق بمقام الفقيد. تقسيم اللجان وتوزيع المهام يشي بعمل مؤسسي دقيق يهدف إلى إبراز جوانب مختلفة من حياة وإبداع الراحل، من شعره وقصصه إلى دوره الدبلوماسي ومواقفه الوطنية.
إن اختيار القاهرة، بتاريخها العريق كملتقى للثقافة والفكر العربي، لاستضافة هذه الفعالية له دلالة خاصة. فهو يمثل اعترافًا بدور الراحل وتأثيره على مستوى أوسع من السودان. كما أن استضافة الجامعة الأمريكية بالقاهرة لهذا الحدث يضفي عليه طابعًا أكاديميًا وثقافيًا رفيعًا، مما يتيح الفرصة لتقديم إنتاج الراحل للأجيال الجديدة من الشباب المصري والسوداني على حد سواء.
إن حرص اللجنة العليا على إشراك جميع أبناء السودان في الإسهام المالي لتغطية تكاليف الاحتفال، وإنشاء رابط للتسجيل المسبق لضمان سلاسة الدخول وفقًا لضوابط الجامعة، يعكس وعيًا بأهمية هذا الحدث وحرصًا على تنظيمه بأعلى معايير الجودة. والتوقع بحضور يتجاوز 1200 شخص يؤكد على حجم المحبة والتقدير الذي يكنه الناس للراحل.
في الختام، يمكن القول إن فعالية تأبين الشاعر السوداني الكبير محمد المكي إبراهيم في القاهرة ليست مجرد وفاء لذكرى رحيل قامة أدبية ودبلوماسية، بل هي فرصة حقيقية لاستلهام إبداعه ومواقفه الوطنية. إنها محطة لتجديد العهد مع قيم الحرية والعدالة والجمال التي نادى بها الراحل في شعره وكتاباته، وتقديرًا لمسيرته التي أثرت الحياة الثقافية والفكرية في السودان والمنطقة. ونحن إذ ننتظر هذا اليوم، نترحم على روح الشاعر الكبير ونتطلع إلى تخليد إرثه الإبداعي والإنساني في هذا الاحتفاء المستحق.
Ghariba2013@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى