شئ للوطن
م.صلاح غريبة … يكتب
الخدمة المدنية في السودان: ركيزة التنمية المستدامة في خضم التحديات
تُشكل الخدمة المدنية في السودان عصب الدولة ومرتكزًا أساسيًا لتحقيق التنمية المستدامة، هذا ما أكده بوضوح الأستاذ أحمد علي عبد الرحمن، وزير العمل والإصلاح الإداري، خلال افتتاح مؤتمر الخدمة المدنية المنعقد في بورتسودان. وفي خضم التحديات الراهنة التي تواجه البلاد، يكتسب هذا المؤتمر أهمية قصوى كونه يجمع الخبراء والمعنيين لمناقشة سُبل إصلاح وتطوير هذا القطاع الحيوي.
إن تأكيد الوزير على دور الخدمة المدنية في تحقيق التنمية المستدامة ليس مجرد شعار، بل هو انعكاس لدورها المحوري في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، وتنظيم المجتمع، والدفع بعجلة التنمية في مختلف القطاعات. وكما أشارت ورقة وزير الزراعة، الدكتور أبوبكر البشري، فإن الخدمة المدنية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالإنتاج الذي يُعدّ حجر الزاوية في بناء الاقتصاد الوطني. من هنا، فإن أي خلل أو ضعف في أداء الخدمة المدنية سينعكس سلبًا على قدرة الدولة على تحقيق أهدافها التنموية.
المؤتمر لم يغفل التحديات التي تواجه هذا القطاع، بل وضعها على طاولة النقاش بهدف إيجاد حلول عملية وفعالة. فمن ضرورة دعم البنية التحتية وتعزيز العلاقات الخارجية، إلى دعم المنظومة الدفاعية وتقوية الترابط الاجتماعي ورعاية الكادر البشري، تتضح أهمية الخدمة المدنية في معالجة قضايا وطنية مُلحة. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى إشادة الوزير بتماسك مؤسسات الدولة رغم الظروف الصعبة، وتحيته للقوات المسلحة والقوات المساندة في معركة الكرامة، مما يُبرز الدور الوطني الذي تضطلع به مختلف قطاعات الدولة، بما فيها الخدمة المدنية.
محاور المؤتمر شملت قضايا جوهرية أخرى، مثل مكافحة البطالة، وخلق سوق عمل جاذب، وتطوير الموارد البشرية. إن المحافظة على حقوق العاملين وتحقيق الرضا الوظيفي، والحد من هجرة الكفاءات، وتحقيق الاستقرار الوظيفي، ليست مجرد مطالب مشروعة للعاملين، بل هي أيضًا عوامل أساسية لضمان كفاءة وإنتاجية الجهاز الحكومي. فالعامل الراضي والمُدرب هو أساس خدمة مدنية قوية وقادرة على تلبية احتياجات المواطنين بكفاءة.
كما أكد الوزير على ضرورة ترتيب البيت الداخلي من خلال هيكلة أجهزة الدولة، ومراجعة قوانين الخدمة المدنية، ودعم الكوادر الشبابية، وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص. إن الشفافية والعدالة وعدم التمييز هي مبادئ أساسية لبناء ثقة المواطنين في مؤسساتهم الحكومية. بالإضافة إلى ذلك، فإن تحسين بيئة العمل، وبناء ثقافة مدنية متطورة، وتعزيز ثقافة العمل الجماعي، وتطوير الأداء من خلال التكنولوجيا، كلها عناصر ضرورية للارتقاء بمستوى الخدمة المدنية وجعلها أكثر فعالية واستجابة لمتطلبات العصر.
وفي سياق متصل، قدم وزير الطاقة والنفط، الدكتور محي الدين نعيم، ورقة بعنوان “تحدي القيادة ومستقبل الخدمة المدنية”، مُسلطًا الضوء على أهمية القيادة الرشيدة في تحقيق أهداف المؤسسات. الدراسة الأمريكية التي استعرضتها الورقة، والتي أشارت إلى أن نسبة كبيرة من الموظفين لا يفهمون أهداف مؤسساتهم واستراتيجياتها، تُدق ناقوس الخطر حول أهمية التواصل الفعال والرؤية الواضحة من قبل القيادات في القطاع العام السوداني. فالقائد القدوة الذي يكتشف ويُنمي مهارات فريقه هو الضمانة الحقيقية لتحقيق الأهداف المؤسسية.
وقد أثار المؤتمر نقاشات مستفيضة، حيث أشار والي الخرطوم إلى أهمية تخطيط القوى العاملة، بينما لفت والي شمال كردفان إلى بعض المغالطات في المصطلحات والتحديات التي تواجه تطور الخدمة المدنية كقضايا الترقيات و الأجور وبيئة العمل. هذه الملاحظات القيمة تُؤكد على ضرورة معالجة هذه القضايا بشكل شامل وعميق لضمان تحقيق إصلاح حقيقي ومستدام في الخدمة المدنية.
ختامًا، فإن دعوة وزير العمل إلى توحيد شروط الخدمة للعاملين بالدولة وحماية الخدمة المدنية من الاختراقات، تُعدّ بمثابة خارطة طريق نحو بناء جهاز حكومي أكثر عدالة وكفاءة ونزاهة. إن الخدمة المدنية ليست مجرد مجموعة من الموظفين، بل هي نبض الدولة ومرآة قدرتها على خدمة مواطنيها وتحقيق تطلعاتهم نحو مستقبل أفضل. ومؤتمر بورتسودان يمثل خطوة هامة نحو تحقيق هذا الهدف النبيل في ظل الظروف الدقيقة التي يمر بها السودان.
Ghariba2013@gmail.com