شئ للوطن
م.صلاح غريبة … يكتب
الإعلام الخليجي والحرب في السودان: نافذة أم منصة لخطاب الكراهية والاستقطاب؟
لطالما شكل الإعلام المستقل والمهني حجر الزاوية في بناء المجتمعات الديمقراطية، منارة للوعي العام وأداة للمساءلة. لكن في السودان، الذي يئن تحت وطأة حرب مدمرة منذ أبريل 2023، تدهور المشهد الإعلامي بشكل مريع. توقفت مؤسسات إعلامية مستقلة عن العمل، وقُيدت حرية الصحافة، ليخلق ذلك فراغًا إعلاميًا واسعًا سرعان ما وجد الإعلام الخليجي نفسه في قلب المشهد السوداني، مؤديًا دورًا متعدد الأوجه يستدعي وقفة تحليل وتقييم معمق.
أن غياب الإعلام السوداني المستقل، بالتزامن مع النشاط المحموم للإعلام الخليجي، قد ساهم بشكل كبير في تنامي خطاب الكراهية والعنف. هذه الفرضية تستند إلى ثلاثة محاور رئيسية: توفير منصات لخطاب الكراهية، وتأثير الأيديولوجيات الإقليمية، وتضخيم الخلافات الداخلية في السودان.
لا شك أن الإعلام الخليجي لعب دورًا في نقل أخبار وتطورات الأزمة السودانية إلى العالم الخارجي، وهو أمر يُحسب له في ظل العتمة الإعلامية التي فرضتها الحرب على السودانيين. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: كيف تم تقديم هذه الأخبار؟ وما هي الرسائل التي تم تمريرها عبر هذه التغطية؟ فبعض وسائل الإعلام الخليجية لم تلتزم بالحياد المهني، بل تبنت خطابات منحازة لأطراف معينة في الصراع، متجاهلة في كثير من الأحيان الانتهاكات التي ترتكب.
الأخطر من ذلك استغلال بعض المنابر الإعلامية الخليجية لهذا الفراغ لنشر روايات متطرفة وتأجيج الاستقطاب. من خلال استضافة شخصيات ذات أجندات محددة، وإعادة تداول خطابات مثيرة للفتنة، والتركيز على الخلافات العرقية والقبلية، ساهمت هذه الوسائل -بقصد أو بغير قصد- في تعميق الشرخ المجتمعي في السودان. إن تأثير الأيديولوجيات السياسية والدينية السائدة في دول الخليج على تغطية الأحداث السودانية يمثل عاملًا آخر يستحق التمعن. فبدلًا من التركيز على الحلول الجامعة والمصالحة الوطنية، قد تميل بعض التغطيات إلى تبني رؤى تتوافق مع مصالح أو توجهات إقليمية ضيقة، مما يزيد من حدة الانقسامات الداخلية في السودان.
إن تضخيم الخلافات القائمة في السودان وتقديمها بطريقة تخدم أجندات سياسية معينة يمثل وجهًا آخر من أوجه الدور السلبي المحتمل للإعلام الخليجي. فبدلًا من العمل على تهدئة النفوس وتقريب وجهات النظر، قد تركز بعض التغطيات على إبراز نقاط الخلاف وتأجيج الصراع، مما يجعل مهمة بناء السلام والمصالحة أكثر صعوبة وتعقيدًا.
إن الوضع الإعلامي المتردي في السودان، والذي توثق من خلال شهادات بهض الصحفيين والانتهاكات المروعة التي يتعرضون لها، يوفر أرضًا خصبة لازدهار خطاب الكراهية والتضليل. ففي غياب الصوت المهني والمستقل، يصبح الجمهور أكثر عرضة للتأثير بالروايات المتحيزة والشائعات المغرضة التي قد تبثها وسائل إعلام خارجية ذات أجندات خفية.
إن تحليل المحتوى الإعلامي للوسائل الإعلامية الخليجية، ودراسة مدى تأثيرها على آراء المواطنين السودانيين واتجاهاتهم السياسية، يمثل ضرورة قصوى لفهم أبعاد هذه القضية المعقدة. كما أن مقارنة هذه التغطية بتغطية الإعلام الدولي قد تكشف عن أوجه اختلاف وتشابه مهمة، وتسلط الضوء على المعايير المهنية التي قد يتم تجاوزها في خضم التنافس الإقليمي والدولي على النفوذ.
ختامًا، إن الدور الذي يلعبه الإعلام الخليجي في الأزمة السودانية يحمل في طياته مسؤولية تاريخية. فبينما يمكن أن يكون نافذة للعالم على معاناة السودانيين وداعمًا لجهود السلام، فإنه قد يتحول -إذا لم يلتزم بالمهنية والحياد- إلى منصة لتعزيز الاستقطاب ونشر خطاب الكراهية، مما يزيد من تعقيد الأزمة ويؤخر فرص تحقيق المصالحة الوطنية. إن الحاجة إلى إعلام مسؤول ومتوازن، يضع مصلحة الشعب السوداني فوق أي اعتبارات أخرى، تبدو اليوم أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
Ghariba2013@gmail.com