أعمدة الرأي

بين أحلام العودة وكوابيس المسيرات إلى متى تُترك دماء السودانيين رخيصة؟

سنية اشقر
سنية اشقر… تكتب
في مشهد يعكس فداحة ما آلت إليه الأوضاع في السودان، سقط النازحون في مركز إيواء مدينة عطبرة ضحايا لمسيرة جديدة من مسيرات الموت التي أصبحت تتكرر بلا رادع ولا حساب. استهدفت إحدى هذه المسيرات، على نحوٍ وحشيٍ وهمجي، مركز الإيواء الذي يحتضن مئات الأسر النازحة، ممن فروا من جحيم الحرب بحثاً عن الأمان، ليجدوه وقد تحول إلى مسرح دموي جديد من مسارح الانتهاك والقتل.
إن ما جرى في عطبرة ليس حادثاً عرضياً ولا خطأً في التصويب، بل هو استمرار لسلسلة طويلة من الاستهتار بحياة السودانيين، وتكريسٌ لصورة المدنيين كهدفٍ مباح في أعين آلة الحرب والمليشيات المنفلتة. ما ذنب هؤلاء النازحين؟ أليست الحرب قد اقتلعتهم من منازلهم وقراهم؟ أليس مركز الإيواء يفترض أن يكون ملاذاً آمناً لا ساحة حرب؟ بأي منطق تُطلق المسيرات على رؤوس أطفال وأمهات وشيوخ أنهكهم النزوح والجوع والخوف؟
لقد أصبحت المسيرات في السودان كابوساً يومياً، لا فرق فيها بين العاصمة وأطراف المدن والقري، وبين المواقع العسكرية والأسواق، بين الجبهات ومراكز الإيواء. تتساقط المسيرات في كل مكان، والفاعل معروف، لكن لا احد يقوي علي مواجهته الكل يلوذ بالصمت حتي المجتمع الدولي الذي لا تغلبه الحلول وقد فعلها في بعض الدول تدخل لوقف الحرب فيها ووقف الموت المجان للشعوب لماذا الا السودان؟ والسلطات المحلية مشغولة بالتبرير أو غائبة تماماً (عاملة اضان الحامل طرشة أو كما يقول المثل) من الذي يرسل هذه المسيرات؟ من يمولها؟ من يزودها بالإحداثيات؟ والأهم لماذا لا تتوقف؟
نحن اليوم أمام مأساة مزدوجة مأساة نازحين شردتهم الحرب، ومأساة دولة فقدت سلطتها على جميع أدوات العنف المستخدمة في الحروب، وسمحت للمليشيات بأن تمارس سطوتها على حياة الناس دون حسيب. كل يوم يمر دون محاسبة للمجرمين هو يوم آخر يشرعن القتل، ويعمق الجراح، ويبدد ما تبقى من أمل في السلام والعدالة.
ما جرى في عطبرة يجب أن يكون جرس إنذار لكل من لا يزال يظن أن هذه الحرب يمكن التعايش معها. لا يمكن بناء مستقبل في ظل طائرات مسيّرة تلاحق النازحين إلى مراكز الايواء. لا يمكن الحديث عن العودة الطوعية بينما القصف يطارد حتى من نجا من القتل الأول. لا يمكن بناء دولة على أنقاض الإنسان.
ومن هنا، علي القوي المدنية تحميل المسؤولية الكاملة والضغط علي لكل من يملك القدرة على إيقاف هذه الانتهاكات، والمطالبه بفتح تحقيق فوري وشفاف في جريمة عطبرة، وغيرها من الجرائم التي استهدفت المدنيين النازحين ويجب أن تأتي هذه المطالبة من: القوى المدنية والمجتمع المدني السوداني بكافة أطيافه، بما في ذلك النقابات ولجان المقاومة والاجسام الثورية الاخرى. المنظمات الحقوقية السودانية المستقلة، التي يقع على عاتقها توثيق الحادثة ودفعها للمحافل الدولية.
الجاليات السودانية في الخارج، التي يمكنها إيصال صوت الضحايا إلى الإعلام ومراكز القرار في العالم.
النشطاء والصحفيون المستقلون، عبر التوثيق والنشر المستمر.
ولا ننسى من المناشدة كل من الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، للتحرك العاجل وفرض آليات تحقيق دولية مستقلة في الجرائم ضد المدنيين في السودان. الاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيغاد، كجهات إقليمية مسؤولة عن حماية المدنيين ومنع اتساع دائرة النزاع. الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي، الإيغاد) للضغط السياسي والميداني من أجل وقف استهداف المدنيين.
المنظمات الدولية الحقوقية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، لتوثيق الجريمة ضمن تقاريرها والضغط على الفاعلين. وسائل الإعلام الدولية والرأي العام العالمي، لكشف الجريمة ودعم قضية الضحايا في وجه الصمت المتواطئ.
ما جرى في عطبرة ليس نهاية المأساة، لكنه يجب أن يكون بداية مرحلة جديدة من المحاسبة والضغط والتوثيق، حتى لا تمر هذه الجرائم كما مرت سابقاتها. دماء السودانيين ليست رخيصة، والعدالة ليست ترفاً، بل حقٌّ لا يسقط بالتقادم. حان الوقت لأن يتوقف هذا النزيف. فالسودانيون يستحقون الحياة، لا الموت المجاني.
سنية اشقر
أبريل/٢٠٢٥م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى